خيوط رفيعة أصبحت تربط أعضاء الترويكا الحاكمة في تونس، بعد الأزمة السياسية التي ضربت أوصالها وجعلت التيار لا يمر بالطريقة المرجوة بين أطرافها، حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات، من أجل قيادة المرحلة الانتقالية، ودفعت التصدعات التي ضربت التحالف إلى رفع ورقة الانسحاب عدة مرات من طرف أعضائه، وكانت آخرها دعوة من بعض قيادات النهضة أمس الانسحاب من الترويكا، غير أن الخطوة عدل عنها في آخر المطاف. أزمة سياسية كبيرة تعيشها تونس هذه الأيام، والتي تترجمها توالي الاستقالات وكذا توالي التهديدات بالانسحاب من التحالف الثلاثي، سواء من طرف حركة النهضة التي تقود الترويكا، أو حزب منصف المرزوقي رئيس تونس، المؤتمر من أجل الجمهورية، أو مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، وكذا التكتل من أجل العمل والحريات. وآخر مظاهر هذه الأزمة دعوة قيادات من النهضة بالانسحاب من الترويكا وإعادة التأسيس لمشهد سياسي جديد في تونس في ظل تعثر تشكيل حكومة جديدة وبروز نقاط خلافية عديدة بين أطراف الترويكا، كما تجلت هذه الأزمة في استقالة قدمها المستشار السياسي لرئيس الحكومة والقيادي في حركة النهضة لطفي زيتون، الذي اعترف في رسالة استقالته بأن البلاد تعرف أزمة حكم، بالرغم من أن النهضة كانت دائما ما تقلل من أهمية الصدامات السياسية، وربط زيتون استقالته ''بالتجاذبات الدائرة حاليا حول التعديل الوزاري، الذي فشل رئيس الحكومة في تنفيذه منذ أكثر من ستة أشهر''، وأضاف ''لا يزيد، أي التعديل الوزاري، الأوضاع إلا تأزما بعدما تحول إلى عملية محاصصة حزبية لا تعتمد على أي معقولية سوى تقليص وجود النهضة لصالح أحزاب أخرى''. ورفض أحد صقور النهضة والمقرب من شيخها راشد الغنوشي التنازلات التي تقدمها الحركة في الحكومة الجديدة، خاصة وأنه جرى حديث عن تفاهمات حول إعفاء رفيق عبد السلام، صهر الغنوشي، من وزارة الخارجية، وهو الطلب الذي قبلت به النهضة، لكن اشترطت أن يتم تعيينه كمنسق عام للحكومة، لكن شريكي الحكم رفضا الاقتراح، كما طالبا بتنازل النهضة عن حقيبة العدل وتعيين وزير مستقل، لكن النهضة رفضت وأكدت أن أي تغيير يمس هذه الحقيبة، فإن البديل يكون من الحركة. من جهتها قالت المعارضة في المجلس التأسيسي إنها ستعارض أي حكومة جديدة لا تعرف تغييرات حقيقية، ويتم فقط تغيير أسماء بأسماء أخرى، على حد ما صرح به الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري عصام الشابي. وبرأي متابعين، فإن الأزمة السياسية التي تتسع رقعتها وتزيد حدتها مع مرور الوقت ستعقد الوضع في تونس أكثر فأكثر، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، والأكثر من ذلك هو انحراف البلاد نحو أزمة أمنية غذتها الأسلحة المهربة من ليبيا وظهور تنظيمات جهادية إلى العلن، لا تتردد في الدخول في اشتباكات مسلحة مع قوات الأمن، كانت آخرها ما شهدته منطقة القصرين.