حوّل البطالون في عدة مناطق بالجنوب الجزائري احتجاجاتهم الظرفية، إلى حركة احتجاجية متواصلة منذ بداية العام الجاري، ورفعوا سقف المطالب من الشغل إلى العدالة في توزيع الثروة. قررت مجموعة من منسقي الحركة الاحتجاجية للبطالين في ولايات الجنوب، تحريك ما يشبه ''انتفاضة'' لتغيير أوضاع الشباب البطال على مستوى 13 ولاية بالجنوب. وكان موعد إشعال الحركة الاحتجاجية يوم 2 جانفي المنصرم وأطلقوا عليه اسم ''الأربعاء التاريخي''. ففي ذلك اليوم، حاصر مئات البطالين عدة مقرات إدارية في عاصمة ولاية ورقلة وخرج آخرون إلى الشارع في متليلي بغرداية وحاسي الرمل بالأغواط وعين صالح بتمنراست، ومنذ ذلك اليوم سجلت تقارير إعلامية أكثر من 63 احتجاجا وحالة إخلال بالنظام العام في الشوارع، وكانت آخر هذه الاحتجاجات في ورقلة عندما حاول المئات من البطالين تنظيم مسيرة من ورقلة إلى حاسي مسعود، غير أن التدخل السريع والمكثف لقوات الأمن حال دون ذلك. وقد أحرجت هذه الاحتجاجات السلطات، التي باتت تواجه حركة على درجة عالية من التنسيق تعدت مطالبها مجرد التنديد بعمليات التوظيف غير القانونية في الشركات، حيث تغيرت المطالب إلى أعلى بعد الحديث عن طريقة تسيير السلطات للأوضاع في الجنوب. ويقول أحد مهندسي هذه الحركة الاحتجاجية المنسق الوطني للجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين ''منذ يوم 2 جانفي المنصرم وجهت السلطات القضائية لأكثر من 70 بطالا تهم الإخلال بالنظام العام والاعتداء على رجال الأمن، في وقت يوجد مئات البطالين الذي يملكون شهادات طبية تؤكد تعرضهم للضرب المبرح من طرف الشرطة والدرك في ورقلة''. ''ظلم تنموي'' بالجنوب والبطالون يرفضون ''الأوصياء'' ويرفض أغلب المحتجين تهمة العلاقة مع حركة أبناء الجنوب من أجل العدالة، لكنهم يقرون بفكرة أن الجنوب تعرّض ل''ظلم تنموي'' يصفونه ب ''التاريخي''، خرج أغلبهم من رحم المعاناة، منهم من عمل في شركات المناولة وشرب الذل، كما يقول، في شركات تستغل العمال طيلة سنوات. أما البقية، فإنهم وقفوا في طوابير أمام مكاتب التشغيل المحلية بحثا عن منصب شغل لم يحصل عليه أبدا. والاحتجاجات في الجنوب ليست وليدة اليوم، بل هناك من قرّر الاحتجاج مبكرا قبل 10 سنوات عندما ظهرت حركة أبناء الجنوب من أجل العدالة، ثم انقسمت الحركة إلى جناح متشدد يطالب بالانفصال عن الشمال أو على الأقل بحصة من عائدات النفط لولايات الجنوب، وقد لجأ هؤلاء إلى حمل السلاح ويوجد أغلبهم في شمال مالي ضمن حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، بينما حافظ الآخرون على نهج المطالبة بحقوقهم المشروعة دون عنف. الشركات الأمنية .. عناوين ل''العبودية'' ويقسم بطالو الجنوب الشركات العاملة في المنطقة إلى صنفين، الأول تمثل الشركات الأجنبية التي استغلت العباد والأرض والتي لا تخضع لقوانين الجمهورية، والبقية هي مؤسسات ''العبودية'' وهي متخصصة في الأمن والحماية والإطعام والخدمات والتي يرأسها مسؤولون سابقون ''يمصون دماء البشر ويعيدون البطال إلى العهد الإقطاعي''. ووصف البطالون أنظمة التشغيل الموجودة حاليا بأنها نظام ل''دمقرطة نهب المال العام'' عن طريق قروض تورط البطالين لكنها لا تأتي بأي نفع لهم. ويقول أحد الناشطين التاريخيين للمطالبة بحقوق البطالين بلعباس الطاهر ''هناك إحساس في الجنوب بأن السلطة تمارس سياسة التهميش لإرغام الشباب على الخروج عن الطاعة والالتحاق بالإرهاب خلف الحدود''. ويقول هنا ممثلو البطالين ''نحن نتمسك بسلمية الاحتجاجات ولن ننزلق أبدا إلى العنف الذي يرغب النظام جرنا إليه.. إنها قناعتنا لكننا بالمقابل لدينا برنامجنا للتصعيد الذي قد يصل إلى حد احتلال المقرات الإدارية في كل المدن الكبرى دون استعمال العنف''. ويقول الطاهر بلعباس ''منذ بداية حركتنا نشر النظام إشاعات تشير إلى وجود جماعة انفصالية في الجنوب ونؤكد هنا أننا نريد قطع الطريق على من يطالب بالانفصال، والوحدة الوطنية خط أحمر بالنسبة لنا.. إن حركتنا الاحتجاجية لا صلة لها بأي حدث آني..إنها تتعلق بمظلمة تاريخية، فنحن نطالب بإعادة تأميم المحروقات، نريد أن تؤمم المحروقات بطريقة شرعية هذه المرة''. ويضيف إن القضية أكبر وأعمق من مجموعة من البطالين يطالبون بمناصب شغل يجب أن يفهم النظام هذا، لا بد من توفر إرادة سياسية للاعتراف ب''المظلمة التنموية التي يعاني منها سكان الجنوب...النظام يريد استنساخ تجربة شمال مالي في الجنوب الجزائري، حيث يكاد يتشابه الوضع الاجتماعي في الجنوب مع مثيله في الصحراء الكبرى غرب ليبيا شمال مالي مثلا...إننا نتبرأ من الأعيان الذين صنعوا في أروقة وزارة الداخلية، كما أننا لا نعترف بالمسؤولين المحليين نريد التحاور مع أصحاب القرار الفعليين في النظام''. ويضيف ''إن حركتنا ترى أن النظام يريد تحويل الجنوب إلى مناطق أمنية محروسة بالعسكر والرشاشات، كما أن ثاني شريك للنظام في نهب المال هو الشركات الأجنبية التي لا تقيم احترام للإنسان أو للأرض. ويقول ممثلو حركة الاحتجاج الأخيرة، إن حركتهم موجودة في كل ولايات الجنوب وفي عدد من ولايات الشمال مثل قسنطينة والعاصمة ووهران. ويضيف بلعباس ''النظام لم يعترف بحركتنا، لأننا نحن لا نعترف بالنظام، نحن ننشط خارج القانون، لكن وفقا للدستور لجنة الدفاع عن حقوق البطالين تشكلت من أجل حل مشكل البطالين، نحن لا نحتاج لأي اعتراف من النظام القمعي، نرفض العمل وفقا للقانون الذي يسير الجمعيات الذي لن يمكننا من الحصول على حقوقنا''. ''أطراف تسعى لتعفين الوضع في الجنوب'' قال ممثل ولايات الجنوب لدى الأمانة الوطنية لحزب جبهة القوى الاشتراكية حمو مصباح: ''كل من يعيش في الجنوب حاليا يدرك أن أطرافا خفية تسعى لتعفين الوضع في مناطق الجنوب، بدءا بتعامل السلطات مع ملف التشغيل والسكن وباقي الملفات.. لقد تعبنا من طرح سؤال من يدفع الأوضاع في الجنوب وفي ولاية غرداية إلى المجهول؟ وأبسط مثال على ذلك تجاهل السلطات لفضائح الفساد المدوية في غرداية والتي ورد بشأنها تسجيل مصور وقضية توزيع السكن الاجتماعي الذي أمر رئيس الجمهورية بتوزيعه قبل نهاية العام وبعد نهاية العام بشهرين لم توزع السكنات، ثم قضية الاختطافات وهي ظاهرة جديدة في المنطقة..جرائم القتل المتكررة التي تستهدف سكان من خارج الجنوب''.