اطّلعنا بدهشة وأسف على تصريح الدكتور محمد عيسى، المفتش العام بوزارة الشؤون الدينية، ليومية ''الخبر''، المنشور يوم الجمعة 51 مارس الجاري، تحت عنوان: ''مشايخ التكفير ممنوعون من دخول الجزائر.. دعاة في القائمة السوداء''، والذي اتّهم فيه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأنّها من الجمعيات التي توّجه الدعوة لدعاة ومشايخ من التيارات التكفيرية لتقديم محاضرات ودروس في الجزائر. وسبب دهشتنا أنّ الدكتور محمد عيسى هو أخٌ نحبّه ونقدّره، وكان، قبل سنوات خلت، عضوا في المكتب الإداري لجمعية العلماء، ومازال عضوًا في مجلسها الوطني، بعد أن استقال من المكتب الإداري، وهو يعرف، تمام المعرفة، منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، القائم على الوسطية والاعتدال، ويعرف تاريخها الوطني المشّرف، القائم على الإصلاح الديني والتربوي. أما سبب الأسف فلأنّ الدكتور محمد عيسى لم يذكر اسمًا واحدًا من أسماء المشايخ والدعاة من التيارات الفكرية التكفيرية حين اتهم الجمعية بدعوتها لنشر الفكر التكفيري. وأمّا بخصوص اعتبار الدكتور محمد عيسى ''الربيع العربي'' ''خرابًا عربيًا'' فهذا رأيه الشخصي، الذي يلزمه، وإن كان الكثير من قادة الفكر والرأي يرون أنّ الخراب الحقيقي يأتي من أنظمة الفساد والاستبداد التي تدوس كرامة شعوبها وتوهمهم بأنّ التحرر وبناء الديمقراطية هو الشرّ الأعظم الذي يجب أن تنأى عنه الشعوب العربية والإسلامية، لأنّه ليس في الإمكان أحسن ممّا كان. وأمّا بالنسبة لإقدام وزارة الشؤون الدينية على وضع قائمة سوداء بأسماء الدعاة والمشايخ، فإنّ هذا الأمر يكشف طبيعة التفكير ونمط التسيير الذي تتبناه الوزارة، في عصر تطوّر وسائل الاتصال والإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، فمازالت الوزارة تعتقد- فيما يبدو- أنّ اللجوء إلى المنع وإعداد القوائم السوداء هو الذي سيقضي على المشكلة ويحافظ على صفاء المرجعية الدينية للجزائريين؟! وإذا كانت وزارة الشؤون الدينية لم تتمكّن، بعد خمسين سنة من الاستقلال، أو على الأقل بعد 61 سنة كاملة من تولّي المسؤولين الحاليين تسيير الوزارة، من تكوين أئمة ومرشدين ومرشدات ومفتشين جزائريين قادرين على حماية المرجعية الوطنية الدينية، فإنّه من حقّ الشعب الجزائري أن يقلق على الطريقة التي تصرف بها أموال الخزينة العمومّية في دفع رواتب إطارات الشؤون الدينية المكلّفة بمحاربة ما يسمى ''اختراق المرجعية الدينية الجزائرية''. نسأل الله أن يقي الجزائر شرّ الفتن.