أول قرار اتخذه الرئيس بوتفليقة بعد قولته الشهيرة ''طاب جنانا''، كان اختياره لشيخ طاعن في السن مثله على رأس المجلس الشعبي الوطني، وهو ما يعني أن ما قاله عن ''طياب لجنان'' مجرد شطحة للاستهلاك الإعلامي، وضمن هذا السياق فإن الشيء الوحيد الذي سيحول دون ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية أخرى هو عجزه التام عن الحركة، أما إذا كان قادرا على التحرك والظهور في التلفزيون ولو لخمس دقائق خلال الحملة الانتخابية، فإنه سيترشح، وربما معرفة بعض ساستنا لنفسية الرجل هو سبب مطالبتهم بترشحه لعهدة رابعة، أو ربط بعض هؤلاء الساسة ترشحهم للرئاسيات المقبلة بعدم ترشح بوتفليقة. ولنفرض أن بوتفليقة ترشح العام القادم، فإنه سيفوز حتما ومن الدور الأول بطبيعة الحال ما دامت خلافة رؤساء دول العالم الثالث لأنفسهم في حكم الحتميات ... إذا حدث هذا، فإن الحالمين والساعين هذه الأيام لدخول معترك الرئاسيات القادمة، وهم سلال والشريف رحماني وأويحيى وبن فليس وبن بيتور وحمروش، سيكونون عام ألفين وتسعة عشر، أي في نهاية العهدة القادمة، طاعنين في السن كما حال بوتفليقة اليوم، أو ربما يكون العديد منهم قد انتقل إلى رحمة الله وأصبحت أسماء بعضهم أو كلهم لا تذكر إلا مقرونة ب''رحمهم الله''، فهل لنا أن نتصور حجم الضرر والتهميش والإجحاف الذي ألحقه جيل بوتفليقة بالجيل الأول لما بعد الاستقلال؟ لنترك هذا الأمر جانبا، ونعود لرئاسيات العام القادم، ولنفرض أن طارئا فرض واقعا آخر، وفتحت الساحة أمام ''المؤهلين'' لخوض المعترك، فمن يترشح يا ترى ومن المؤهل أكثر من غيره لحسم المعركة؟ المرشحون، أو لنقل الذين يرون في أنفسهم ويراهم الرأي العام أنهم المرشحون المؤهلون لخوض المعترك، هم من سبقت الإشارة إليهم وقد يضيف لهم البعض أسماء بلخادم وعمار غول واللواء الهامل وبن صالح، أما الأرانب فهناك بطبيعة الحال رباعين وموسى تواتي ولويزة حنون. الآن... أي هؤلاء المرشحين أوفر حظا لخلافة بوتفليقة إن طرأ مستجد حال دون تقدم الأخير لخلافة نفسه... لا نعتقد أن منطق العصر وواقع الجزائر يقبل اسمين مثل بلخادم وبن صالح، كما أن تضاؤل دور بوتفليقة بعد الوعكة الأخيرة يكون قد قلص حظوظ الهامل إلى أقصى الحدود، ونعتقد أن مستوى التطورات الحاصلة لا يتقبل كذلك اسم عمار غول، مثلما نعتقد أن بوتفليقة لن يقبل إذا ما كانت له كلمة في الموضوع بتسليم مهامه لعلي بن فليس، والأمر قد ينسحب ولو بدرجة أقل على أويحيى، مثلما نرى أن بن بيتور مرشح سابق لعصره وتكفي الإشارة هنا إلى أن مجرد إعلانه الصريح بأنه ليس في حاجة لدعم المؤسسة العسكرية يجعل منه مرشحا سابقا لعصره... في هذه الحالة لن يبقى في الميدان سوى سلال ورحماني. هذه القراءة مبنية على أساس أننا ما زلنا في مرحلة يصنع فيها رئيس الجزائر خارج الإرادة الشعبية، بالتالي فهي قراءة صالحة وفق منطق التوافق بين بوتفليقة والمؤسسة العسكرية ممثلة في الجنرال توفيق، وفي حالة سقوط أحد طرفي هذه المعادلة، بمعنى غياب بوتفليقة أو توفيق من الساحة، تصبح غير ذات معنى.