"لو كان للعالم عاصمة لكانت اسطنبول عاصمة العالم"، مقولة مشهورة في تركيا، إلا أنها لم تجانب كثيرا كبد الصواب، ففي اسطنبول تتعانق قارتا أوروبا وآسيا، ولا يفصلهما سوى مضيق البوسفور، كما يفصل البحر الأسود عن بحر مرمة. وفي اسطنبول التقت أعظم إمبراطوريتين في البحر الأبيض المتوسط، حيث اتخذت الإمبراطورية البيزنطية، وريثة الإمبراطورية الرومانية، اسطنبول عاصمة لها وأسمتها القسطنطينية، ثم جاءت من بعدها الدولة العثمانية وانتزعت القسطنطينية من يد الأمم المسيحية، وأسمتها "الأستانة" أو "الباب العالي"، وتوّجتها عاصمة لإمبراطورتها التي توغلت في أواسط أوروبا، حتى وصلت حدودها الغربية من شمال إيطاليا جنوبا إلى فيينا شمالا. اسطنبول: مبعوث ”الخبر” مصطفى دالع @ في اسطنبول تجتمع الحضارة المسيحية الأوروبية بالحضارة الإسلامية الشرقية، التي تميزها تلك المساجد العثمانية العريقة ذات القبب الكثيرة والمزخرفة من الداخل والمنارات العالية والمدببة. وتنتشر مساجد اسطنبول العريقة في كل زاوية من زوايا المدينة القديمة، التي يحيط بها السور العثماني القديم، الذي لا تزال أطلاله شاهدة على عظمة الإمبراطورية العثمانية في ذلك الزمان. ورغم أن مصطفى كمال أتاتورك، زعيم العلمانية الطورانية في تركيا، والذي أنهى الخلافة العثمانية في 1923، منع الآذان باللغة العربية، إلا أن كل المساجد، في زمن رجب طيب أردوغان، وجدناها تصدح بنداء ”حي على الصلاة” باللغة العربية، وكأن تركيا اليوم تريد أن تتصالح مع تراثها العثماني العريق، الذي تشدّها إليه كل قطع أثرية في كل زاوية من زواياها. إلا أن 90 سنة من العلمانية الأتاتوركية لا يمكنها أن تندثر بسهولة لمجرد وصول حزب إسلامي يحن إلى زمن الخلافة العثمانية، فالعلمانيون في تركيا لازالوا مؤثرين في الجيش والقضاء والإعلام والتعليم العالي، وأحداث ميدان تقسيم الأخيرة تثبت أن علمانيي تركيا لم يرموا المنشفة بعد، رغم هزائمهم الانتخابية المريرة أمام حزب العدالة والتنمية، وفشل محاولة الانقلاب العسكرية ضد أردوغان في 2003، وفشل القضاء القضاء العلماني من حلّ حزب العدالة والتنمية بفارق صوت واحد فقط، كما فعل مع عدة أحزاب إسلامية أخرى، على غرار حزب الرفاه الإسلامي، بقيادة المرحوم نجم الدين أربكان رئيس الوزراء الأسبق، الذي أٌسقط في انقلاب عسكري أبيض. السياحة في اسطنبول لا تقاوَم، ولا يمكن مقارنتها أبدا بالسياحة في تونس، ومع ذلك فتونس لازالت تتربع على المرتبة الأولى كأحسن وجهة سياحة للجزائريين، وهذا نظرا لقرب المسافة، وانعدام التأشيرة، وسعر التذكرة المعقول، وهو في حدود مليوني سنتيم ذهابا وإيابا، مع إمكانية السفر برا، خاصة بالنسبة للمناطق الحدودية، وأسعار الفنادق معقولة أيضا. ورغم تردي الأوضاع الأمنية في تونس بعد الثورة، وتراجع السياح الأوروبيين، إلا أن كل ذلك لم يمنع الجزائريين من التدفق بمئات الألوف سنويا إلى تونس. ومع أن المغرب يعد وجهة سياحية جذابة للجزائريين، وكانت تحلّ بالمرتبة الأولى كأفضل وجهة سياحية للجزائريين قبل غلق الحدود، إلا أن عدد السياح الجزائريين تراجع بشكل كبير في العشرين سنة الأخيرة، لأسباب سياسية على الأغلب، كما تراجع السياح الجزائريون نحو عدة وجهات أخرى، مثل مصر وسوريا لأسباب أمنية، وفرنسا حيث المشكل يطرح أكثر بالنسبة للتأشيرة، بينما تبقى السياحة الدينية في السعودية (الحج) شبه ثابتة وتقدّر بعشرات الآلاف من الحجاج والمعتمرين سنويا. وفي ظلّ ضعف الصناعة السياحية في الجزائر وتردّي الأوضاع الأمنية في دول الربيع العربي، استحوذت تركيا، وبالأخص اسطنبول، على اهتمام الجزائريين، وسرقت الأضواء من مناطق سياحية منافسة مثل اليونان، فتأشيرة تركيا سهلة وليست معقدة، ويمكن الحصول عليها من السفارة، أو حتى في أحد مطارات اسطنبول، وتكاليف التأشيرة تقدر ب5000 دينار. أما بالنسبة لتذكرة السفر فأرخصها عبر الخطوط الجوية الإيطالية ”أليطاليا”، وذلك نظرا لخدماتها المتواضعة جدا، وثمنها يقدّر ما بين 3 ملايين سنتيم و6 ملايين سنتيم فما أكثر، ويتم التوقف في مطار روما الذي يعامل فيه الجزائريون معاملة ”عنصرية”، مقارنة بالمسافرين الأوروبيين والأمريكيين، حيث يتم توقيف الجزائريين لمراقبة جوازات سفرهم وتذاكرهم قبل الدخول إلى المطار، على عكس بقية المسافرين، وهو ما يدعوا إلى التساؤل حول موقف السلطات الجزائرية من هذا التصرف غير الودي مع الرعايا الجزائريين. وبعد أربع ساعات إلى سبع ساعات مدة التوقف في مطار روما يتم التوجه إلى مطار اسطنبول، مع الإشارة إلى أن العديد من الجزائريين يفوّتون موعد الطائرة بسبب عدم أخذهم، بعين الاعتبار، الفارق الزمني الذي يزيد بساعة في إيطاليا عن الجزائر في فصل الصيف، ويكون التوقيت نفسه في الشتاء، أما تركيا فالفارق الزمني بينها وبين الجزائر ساعتان. ومدة السفر في ”أليطاليا” ساعتان من الجزائر إلى روما، وساعتان ونصف ساعة من روما إلى اسطنبول، رغم أن المسافة بين الجزائرواسطنبول تقدّر بنحو أربعة آلاف كيلومتر. وإلى جانب ”أليطاليا”، هناك الخطوط الجوية الجزائرية وأسعارها أغلى قليلا (بفارق يقدّر بنحو مليون إلى مليوني سنتيم)، أما الخطوط الجوية الفرنسية فتتطلّب التوقف في مطار باريس مدة طويلة، تتجاوز أحيانا 13 ساعة، أما الخطوط الجوية التركية، التي فازت في 2012 بجائزة أحسن خطوط جوية أوروبية، فأسعارها غالية، وقد تصل إلى 8,5 مليون سنتيم فما أكثر. النقل بالبطاقة الممغنطة في اسطنبول يوجد مطاران دوليان أشهرهما مطار أتاتورك، وفي نهاية ممر طويل داخل المطار تجد أمواجا من البشر من مختلف الألوان والأجناس، وكأن العالم كله يريد أن يقضي إجازته في اسطنبول، وفي طوابير طويلة وعريضة يخيل لك أنك ستقضي اليوم كله قبل أن يصل دورك ليؤشر على جواز سفرك حتى يسمح لك بدخول الأراضي التركية، لكن كثرة الشبابيك التي تتجاوز 30 شباكا (6 على الأكثر في الجزائر)، وسرعة التأشير على الجوازات، ينهيان الأمر بسرعة. وبعد استعادة حقائبك ينصح أن تستقل الميترو القريب من المطار، الذي لا يكلّف سوى 3 ليرات، مع العلم أن 1 أورو يساوي في محلات الصرافة المنتشرة في اسطنبول 2,37 ليرة تركية، وتجنّب صرف العملة الصعبة في الفنادق التي لا تعطيك سوى 2,25 ليرة عن كل أورو. أما إذا اخترت سيارة أجرة فسيكون ذلك مكلّفا، وقد تصل تكلفة السيارة إلى 45 ليرة تركية حسب العداد، وبعض السائقين المحتالين يطلبون من السائحين الذين يزورن تركيا لأول مرة مبالغ مضاعفة تصل إلى 100 وحتى 200 ليرة. وإذا أردت التنقل في الحافلات فعليك أن تشتري بطاقة تعبئة من محطات الحافلات، ويقدر ثمنها ب7 ليرات أو 10 ليرات للبطاقة، والتنقل من مكان إلى آخر يكلفك 2 ليرة، ويكفي أن تضع البطاقة المغناطيسية فوق جهاز في مدخل الحافلة، وتأخذ مقعدك فليس هناك سوى السائق ولا وجود للقابض. ونظرا لكثرة الموانئ في اسطنبول، بسبب تنوع سواحلها من مضيق البوسفور إلى واجهة بحر مرمرة وواجهة البحر الأسود وخليج اسطنبول، فإن النقل البحري مزدهر، وتجوب العبّارات مختلف مرافئ اسطنبول لتربط بين شقيها الآسيوي والأوروبي، ومختلف أطرافها التي فرّقها الخليج والمضيق، وأجرة النقل عبر العبارات لا تتجاوز 3 ليرات ذهابا فقط. بايزيت أجمل الأحياء التاريخية ولالولي أرخصها أقصى منطقة يمكن أن يأخذك إليها الميترو في اسطنبول هي أقصراي، ويقيم بها الكثير من الجزائريين، وفيها فنادق منخفضة الأسعار نسبيا ونظيفة، بعضها لا يتجاوز 20 أورو لليلة، وبعض الجزائريين، خاصة الشباب، يقيمون في نزل ب10 ليرات لليلة، حسب ما صرح لنا به أحدهم، وهي أشبه بإقامات للطلبة أو مراقد. كما يقيم كثير من تجار ”الشنطة” الجزائريين في منطقة لالولي، وهي حي شعبي يشبه، لحدّ ما، حي باب الواديبالجزائر العاصمة، وأسعار الإقامة والمأكولات به معقولة. وخلال تواجدنا في اسطنبول أقمنا في منطقة الفاتح، وهي منطقة راقية وأسعار الفنادق بها مرتفعة، وتتجاوز 90 أورو لليلة، وقد تصل، في بعض الفنادق، حتى 400 أورو لليلة، لكن خدماتها راقية. والشيء الجميل في اسطنبول أنه من الفاتح مرورا ببايزيت إلى غاية إمينونو على الساحل على طول عدة كيلومترات أماكن سياحية مفتوحة، وفي كل منطقة هناك أكثر من مسجد عثماني يزيّنها، فمنطقة الفاتح بها مسجد الفاتح، نسبة إلى محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية في 1453م، وفي بيازيت، قلب المدينة القديمة، هناك مسجد السلطان أحمد، أو ما يسمى المسجد الأزرق، أروع وأجمل المساجد العثمانية على الإطلاق. كما يوجد في بايزيت مسجد السلطان سليمان، أشهر السلاطين العثمانيين، والذي زادت شهرته حاليا في أوروبا والعالم العربي، بفضل الدراما التركية ومسلسل ”حريم السلطان”، وأينما جلت في مدينة اسطنبول الفسيحة وجدت مسجدا عثمانيا شامخا قاوم بعناد محاولات أتاتورك التخلص من المعالم العمرانية العثمانية، مثلما فعل في ميدان تقسيم عندما هدم قلعة عثمانية. وفي بايزيت تجد السوق الكبير أو ”البازار الكبير” المغطى، وفيه مختلف أنواع الألبسة والحلويات الشرقية والحلي الذهبية والنواميس الزجاجية والنحاسية، ولكن أسعاره غالية جدا، ويزوره عدد كبير من السياح الأجانب، خاصة من أوروبا وآسيا، ولا تستغرب إن سمعت اللهجة الجزائرية في هذا السوق العثماني الجميل والكبير، الذي ينقل خيالك إلى زمن آخر. وفي هذه المنطقة الجميلة، التي يناديها البعض بمنطقة السلطان أحمد نسبة إلى المسجد الأزرق، توجد ”آيا صوفيا”، الكنيسة البيزنطية التي أصبحت مسجدا في الزمن العثماني، وتحوّلت إلى متحف يزوره الآلاف من الناس يوميا، إلى درجة أن هناك طوابير من الناس، خاصة من الأوروبيين والمسيحيين لاقتناء تذكرة ب25 ليرة لدخول هذه التحفة المعمارية. أما المسجد الأزرق فالدخول إليه مجاني، رغم الأعداد الهائلة من السياح الذين يزورنه يوميا، ومن مختلف الديانات وهم منبهرون بروعة فنه المعماري، ومن خلاله يتعرّفون على عظمة الحضارة الإسلامية التي طالما ألصقوا بها تهمة الإرهاب والتطرّف. ولمن يرغب في أخذ جولة سريعة في شوارع اسطنبول القديمة هناك حافلات سياحية مكشوفة، مع مرشدين سياحيين يتكلمون عدة لغات، بما فيها العربية، تختصر عليك مهمة البحث واكتشاف أبرز الأماكن السياحية والتاريخية. أما في إمينونو فيوجد مرفأ صغير، تتوزع به قوارب صيد آسيوية في مقدّمتها رأس تنين خشبي، تقدّم فيه سندويتشات من السمك المشوي بست ليرات، والشيء المميز في هذه المطاعم أن الشواء يتم في القوارب على المباشر، ويتناول الناس غداءهم في المرفأ، ويجلسون على كراس أشبه بالبراميل الخشبية الصغيرة. وفي المرفأ نفسه يمكنك الذهاب في رحلة سياحية بحرية بنحو 100 دولار على متن سفينة، لمدة يوم كامل، كما يمكنك أن تزور جزر الأميرات القريبة من شاطئ اسطنبول، أو أن تزور سوق البهارات في إمينونو، ولن تكفيك أيام لزيارة مختلف الأماكن السياحية والتاريخية التي تزخر بها اسطنبول التي تتميّز بتنوع منتوجها السياحي. والجزائري لا يحس بالغربة في اسطنبول رغم اختلاف اللغة، فالكثير من العادات والتقاليد متشابهة، والأتراك يحبّون الجزائريين ويحترمونهم، ولا يتعاملون معهم بأي عداء أو عنصرية، مثلما هو الحال في بعض البلدان الأوروبية، فاللحم حلال على الأرجح، وتنتشر كثير من المأكولات والحلويات التركية المشهورة في الجزائر مثل البقلاوة والبرغل والشوارما. الحجاب منتشر إلا في الجامعات كثير من الأتراك يشدّدون على أن المجتمع التركي ليس كما يسوّق له في المسلسلات التركية من تحرّر للمرأة ولباس قصير، وتلمس ذلك في الشارع، حيث تجد الكثير من النساء التركيات محجبات، لكننا عندما دعينا لحضور ندوة في إحدى الجامعات التركية تفاجأنا من ندرة المحجبات في الكلية، وهذا أعاد لأذهاننا المعارك التي خاضتها المحجبات التركيات ضد قرار منع الحجاب في الجامعة، والذي وجدت حكومة أردوغان مقاومة شديدة من عمداء الجامعات العلمانيين من أجل إلغائه. كما أن الشيء الذي لاحظناه أن الرجال لا يصافحون النساء، وهناك طبقات كثيرة من الأتراك محافظة ومتدينة، رغم أن إحدى السيدات الجزائريات المقيمات في اسطنبول استغربت كثرة المساجد وقلة عدد المصلين، ووجود فئة من الأتراك يفطرون في رمضان، ولا يولونه التقديس نفسه مثلما هو الحال في الجزائر.