أنجبت إيطاليا التي اشتهرت بمدافعيها المخضرمين، ثلّة من اللاعبين الموهوبين في مختلف مراكز الخط الخلفي، غير أن عنصرين اثنين تركا بصمتهما إلى الأبد على “فن الدفاع” في عالم الساحرة المستديرة، أولهما جيانشيتو فاكيتي الذي سيعترف له التاريخ بفضله في تطوير دور المدافع وتمكينه من بسط سيطرته شيئاً فشيئاً على منطقته بأكملها. أما الثاني، فهو باولو مالديني الذي يُجسّد فن الأناقة الخالصة في الدفاع ويستبق تحركات المهاجمين عوض اللجوء إلى القوة والترهيب، هذا اللاعب الذي دافع، طيلة مسيرته الكروية التي دامت 24 سنة، عن ألوان فريق واحدٍ هو أي سي ميلان، حيث خاض معه 902 مباراة رسمية، كانت 647 منها في الدوري الإيطالي الممتاز. لا توجد كلمات تفي حق أحد أفضل من لعب في مركزي الظهير الأيسر وقلب الدفاع إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق، فمن الناحية الشخصية يكفي ذكر وفائه للميلان وبقائه معهم لمدة تجازوت ال30 عاماً منذ بدأ في سن العاشرة مع فريق الأشبال وحتى اعتزاله وهو في سن ال41 عاماً، وحسن أخلاقه مع زملائه والخصوم. كان أكثر ما يميّز مالديني قدرته على القيادة لدرجة أن البعض اقترح أن يعتبر مالديني مرجعاً ومقياساً لتقييم من يمتلك شارة القيادة من بعده في عالم كرة القدم، كأن يقال “تقييم هذا القائد 7 من 10 وفقاً لمقياس مالديني”، مثلما تحدّد درجة الزلزال وفقاً لمقياس رختر. ويعدّ مالديني والأسطورة الألمانية بيكمباور والآن البرازيلي تياغو سيلفا الأفضل على الإطلاق في التمركز الدفاعي، فكم هي المباريات التي أخفى بها باولو خصمه نهائياً فكان من النادر أن تصل الكرة إلى قدمه. لا يمكننا أن نختصر مسار مالديني في رصيده الفريد من الألقاب الكثيرة، فلطالما أعطى المثال بسلوكه القويم وأخلاقه الحميدة، سواء داخل الملعب أو خارجه، ومن المستحيل أيضاً أن تجد أثراً لتصرف غير لائق في مسيرة هذا اللاعب الذي عادة ما تنعته الجماهير ب"الرجل النبيل”. ولعلّ خير دليل على ذلك أنه لم يتلق سوى بطاقة حمراء واحدة وكانت خلال مباراة إعدادية، علماً أنه خاض أكثر من ألف مباراة رسمية، وتم تكريمه من أنصار الفريق الغريم الإنتر.