ما الذي كان سيتغيّر لو وصل الإسلاميون إلى الحكم في الجزائر في تسعينيات القرن المنصرم؟ وما الذي تغيّر بوصول إسلاميِّي مصر إلى الحكم منذ أكثر من عام؟ ولماذا تشابه ردّ فعل الجيش تجاههما في البلدين؟ وهل يوجد فعلاً مشروع إسلاميّ في إيران؟ وأين هي أصداء الإسلاميين في أندونيسيا وماليزيا؟ كانت الجزائر ستقع بين فكّي كمّاشة، وبالتعبير المشهور، كانت ستقع بين المطرقة والسندان في حال تمثُّل مشروع إسلاميّ أصولي في بداية التسعينات، حيث لا يكون للإسلاميين الخِيَرة في المفاضلة بين مطالب شعب مناهض للهيمنة الغربية، توجّهاته نابعة من التصورات الشعبية، بما تنهل به من القيم الإسلامية، وبين ضغوط أكبر القوى العالمية التي لن تتوانى في كبح جماح ماردٍ بروح شرقيّة، تراه بفعل قوّتها، مجرّد عنيد يستحق التأديب، يتطابق الحكم عليه بالنسبة لها مع الحكم الذي أطلقته، ونفّذت مُوجباتِه في التاريخ القريب مع العراق، ولا مانع بالنسبة للغرب من الوصول إلى حدّ تبنّي مشروع أفغانستان جديدة في شمال إفريقيا. لا يجهل الإسلاميون، بل لا يخطئون في تقدير الخطر الناجم عن معاداة الغرب، وهم يعرفون جيّدا بأن محور هذه المعاداة يكمن في اللعب بمصالح الغرب الاقتصادية بالدرجة الأولى، يليها اللعب بسياساته الإيديولوجية التي محوراها معاداة الإسلام وحماية مصلحة اليهود، لذلك فإنهم لن يراهنوا بسلطتهم التي وصلوا إليها بعد مسيرة نضال طويل ما يدفعهم إلى دخول بيت الطاعة، والعودة على أعقابهم، وهو قرار يعادل بشكل موضوعي من الناحية الإستراتيجية، قرار المواجهة مع الغرب، ففي الحالين يكون موت المشروع الإسلامي، إما بالذوبان في السياسات السابقة وإقصاء البديل، وإما بخيار الانتحار من خلال المواجهة. هذا السيناريو الذي يتحكّم في الترقية إلى مؤسسات الدولة وضمان المحافظة على المكاسب فيها، خاصة في الدول العربية، هو نفسه الذي تحقق جزء منه في مصر، ولم تكتمل مشاهده بسبب تدخل الجيش، ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تدرك بعمق هذه الحقيقة، فإنها لم تُبدِ معارضة لوصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر، انسجاما مع توجّهات الجماهير، كما لم تتحمّس لاستنكار إسقاطهم عسكريا، لأنها ضمِنت مصالحها في الحالين، رغم أنها، لا تفضّل الدولة الإسلامية ضمنا، خصوصا إذا تعلّق الأمر بحَليف تقليديّ استراتيجي مثل مصر. تشابه ردّ الفعل تجاه طموح الإسلاميين في الحكم؛ في مصر، كما في الجزائر، حيث تحرّكت آلة الجيش بعد تخطيط دقيق، ولعلّ شُبهة الإرهاب اللّصيقة بالإسلاميين أكبر دافع لهذا التحرّك، فضلا على أن إدراك المجتمع وصل إلى حدّ القناعة بأن تغيير الواجهات السياسية لا يفيد في إرساء تغيير حقيقي يقوم على أساس بناء مشروع جديد له بدائله، وإذا تعلّق الأمر بالإسلاميين، فإن الخوف من ذهابهم بعيدا نحو الهيمنة على كافة مراكز القرار بفرض الموالين لهم في المناصب الحسّاسة يدعو إلى المزيد من الحرص، حذر الانتهاء إلى دولة دكتاتورية. لم تكن الديمقراطية يوما هاجس الأنظمة العربية، وفي اعتقادها، فإن تسيير الشأن العام أمر يتعلّق بمهمة ”تصريف أعمال”، شبيهة بالمراحل الانتقالية التي تقودها حكومات تدير أزمات، ولأن الجيش هو حامي الحمى، فإنه لن يسمح بإرساء مشروع ديمقراطي ينتهي بتسليم السلطة إلى يد الإسلاميين، فهو يدرك خطورة تحرّك الغرب الذي يتجه نحو إثارة الجهوية وتحريك الأقليات الدينية أو العرقية، مما يهدّد الوحدة الوطنية، ويعصف باستقلال الدولة. وهْمُ المشروع الإسلامي يسقط على مرأى من عيون العالم في دولة مثل دولة إيران، حيث مُبتغى سياستها متّجه نحو إعادة بناء مجد الدولة الفارسية، تماما مثلما يفكّر الأتراك، ويَعدُهم أردوغان ببعث أمجاد الدولة العثمانية. في إندونيسيا وماليزيا، لا يعرف الجنس الأصفر إلا التفكير على الطريقة اليابانية، الصينية والكورية، المهم في كل النشاطات السياسية هو الرقي والتقدم الاقتصادي ومسايرة العصر، لذلك يندر الصراع في هذه الدول حول المرجعيات، ولا تُوليها الدول الغربية عناية كبيرة من باب عدم تهديد مصالحها. التيارات أو المذاهب الدينية الموازية، هي قطعة الشطرنج ”المَلِك” في اللّعبة السياسية، فدعمها من قبل السلطة أو غضّ الطرف عن نشاطاتها هو ما رجّح الكفّة لصالح الأنظمة وخيّب آمال الإسلاميين وشتّت وحدتهم، بل قضى على مهابة الوقوف ضدّهم، وأمثلة ذلك، الدعم المباشر والقويّ للزوايا الدينية في الجزائر، وإطلاق يد السلفية العلمية المبطلة للعمل الحزبي، حيث يغدو تفعيل أفكار هذه المذاهب المخالفة لأفكار الحزبيين أداة من أدوات كسر إجماع الإسلاميين، كل هذه العوامل والمعطيات أفسدت مشروع الإسلاميين إلى حدّ استصاغة المَكْر بهم. [email protected]