إذا كانت تقارير المنظّمات الحقوقية الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان بالصحراء الغربية حسب ملك المغرب هي ”تقارير جاهزة وغير موضوعية”، وفي ذلك محاولة يائسة من نظام المخزن لضرب مصداقية الحقائق التي تدين المغرب، فإن الاعتداء على القنصلية الجزائريةبالدار البيضاء وتمزيق الراية الوطنية، التي شاهد صورها كل العالم ومع ذلك نفاها خطاب محمد السادس الذي لم يقف عندها وكأنها لم تحدث، ما يعني أن الرباط تمارس ”الاستفزاز” مع سبق الإصرار والترصد. تجاهل محمد السادس كلية الاعتداء الذي تعرّضت له القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء وتدنيس العلم الوطني، في ذكرى احتفال الشعب الجزائري بالذكرى ال59 لثورة أول نوفمبر المجيدة، وهو سلوك لا يفهم منه سوى أن السلطات المغربية، وعلى رأسها الملك، تقف وراء تنفيذ ذلك الاعتداء وأنه ليس فعلا ”معزوا” مثلما حاولت الخارجية المغربية الترويج له. فإذا كان جلالته قد تنكّر لهذا الاعتداء على مقر القنصلية، الذي هو رمز من رموز سيادة الدولة ومحمي من قِبل المواثيق الدولية، فكيف لا يدير ظهره لتقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي اتهمها بإعداد ”تقارير جاهزة” ضد بلاده. أبعد من ذلك حاول محمد السادس تلفيق التهمة إلى المنظمات الدولية، التي كما قال عنها ”إن بعض الدول تكتفي بتكليف موظفين بمتابعة الأوضاع في المغرب. غير أن من بينهم من لهم توجهات معادية لبلادنا، أو متأثرون بأطروحات الخصوم. وهم الذين يشرفون أحيانا، مع الأسف، على إعداد الملفات والتقارير المغلوطة، التي على أساسها يتخذ المسؤولون بعض مواقفهم”. ولم يتوقف محمد السادس عند حدود اتهام منظمات لم يسمها بالاسم عن تبنيها لما أسماه ”أطروحات الخصوم”، بخصوص مسألة حقوق الصحراويين في الأراضي المحتلة، بل قام جلالته بتعليق التهمة على الجزائر بأنها تقف وراء تأليب المنظمات الحقوقية ضد المغرب، حيث سعى لإقناع المغاربة بأن السبب الرئيسي في هذا التعامل غير المنصف مع المغرب ”يرجع، وبالأساس لما يقدّمه الخصوم من أموال ومنافع، في محاولة لشراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا”. وذهب الملك في استفزازاته إلى حدّ التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، حيث اتهم السلطات الجزائرية بما وصفه ”إهدار ثروات وخيرات شعب شقيق، لا تعنيه هذه المسألة، بل إنها تقف عائقا أمام الاندماج المغاربي”، وفي ذلك تحريض للشعب الجزائري للخروج ضد سلطته برئاسة بوتفليقة، وهو ما يعني أن محمد السادس، الذي دعا في افتتاح دورة البرلمان المغربي نوابه للهجوم على الجارة الشرقية الجزائر، يقوم هو شخصيا بالهجومات والاستفزازات ويدفع للتعفن ولقطع شعرة معاوية مع الجزائر، في مخطط لفرض حرب دعائية بين البلدين ستغطي على القضية الجوهرية وهي حق تقرير المصير في الصحراء الغربية. وموازاة مع اتهامه الجزائر بشراء المنظمات الحقوقية الدولية، واصل جلالته هجومه على الجزائر التي قال إنها ”تنتهك حقوق الإنسان بطريقة ممنهجة”، من خلال زعمه بأن ”المغرب يرفض أن يتلقى الدروس في هذا المجال، خاصة من قِبل من ينتهكون حقوق الإنسان بطريقة ممنهجة. ومن يريد المزايدة على المغرب، فعليه أن يهبط إلى تندوف، ويتابع ما تشهده عدد من المناطق المجاورة من خروقات لأبسط حقوق الإنسان”، في إشارة إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين. ويفسر هذا التمادي المغربي في التهجم على الجزائر بأن دعوة وزير الخارجية، رمضان لعمامرة، للمسؤولين المغاربة إلى ”ضبط النفس والاعتدال في التصريحات”، فهمت من قِبل نظام المخزن على أنها علامة ضعف من قِبل الجزائر، وهو ما يفسر هذه الحرب المعلنة من قِبل المغرب والتي دشّنت أخطر فصولها في الاعتداء على القنصلية وتمزيق الراية الوطنية. وهذا التحدي لم يخص الجزائر بل شمل أيضا الهيئة الأممية، بعدما أكد جلالته ”كما لن نرهن مستقبل أقاليمنا الجنوبية بتطورات قضية الصحراء، على المستوى الأممي، بل سنواصل النهوض بالتنمية الشاملة بربوعها”، ما يعني مواصلة استغلال ثروات الشعب الصحراوي.