لو سألنا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هل توقعت في محطات ترشحك السابقة أعوام تسع وتسعين وألفين وأربعة وألفين وثمانية، أن تخسر السباق أمام واحد من الذين نافسوك في هذه المحطات الثلاث، وهل توقعت ولو للحظة أن تجد نفسك في حفل تسلم فيه السلطة لمنافس مكنته صناديق الاقتراع من الفوز عليك، لأجاب دون تردد بلا. ولو سألنا الرئيس... إذا ترشحت في رئاسيات العام القادم ألفين وأربعة عشر، فهل تتوقع أن تخسر المعترك الانتخابي أمام أي من الأسماء التي ستدخل المعترك، لأجاب بالنفي بطبيعة الحال، ولأجزم بأنه فائز لا محالة. ولو طرحنا مثل هذين السؤالين أو غيرهما، على أي عاقل آخر، لأجابنا دون تردد بأن الحاكم العربي يترشح ليفوز لا ليجرب حظه أو ليقيس شعبيته... وعليه فإن ترشح الحاكم العربي سلوك يتنافى بالضرورة مع الديمقراطية، لأنه وببساطة يغلق وبشكل مطلق كل قواعد اللعبة الديمقراطية... هذا ما علمته لنا كل التجارب العملية وما نستمده من المنطق السليم... في أمريكا وفرنسا وبقية الديمقراطيات في البلدان المتحضرة يظلون يترقبون اسم الفائز بعد غلق صناديق الاقتراع والشروع في فرز أصوات الناخبين، أما عندنا في البلدان المتخلفة، فنعرف اسم الفائز بمجرد الإعلان عن أسماء المترشحين، فهل آن لنا أن نستحي من أنفسنا، ونكف عن الحديث عن الديمقراطية وضرورة احترام الإرادة الشعبية وحرية الشعب في اختيار حاكمه؟ هذه الحقائق وغيرها يعرفها بوتفليقة جيدا، ويعرف كذلك بأن بقاء الحاكم - أي حاكم - في منصبه مدة تزيد عن اللزوم، يؤدي حتما إلى انتشار الفساد وازدياد عدد المفسدين، فلماذا يصر على التوغل في هذا المستنقع، وهو يعرف معرفة يقينية أن السلطة لا يمكن أن تكون إلا مستنقعا؟ لا شك أن بطانية السوء لعبت دورا في بقاء بوتفليقة كل هذه المدة في الحكم، وبالتالي فهي مسؤولة مثله عن الفساد الذي ينخر المؤسسات ومسؤولة عن إجهاض التجربة الديمقراطية، فلماذا يسمع لها ويستمع إليها، وهو يعرف أكثر من غيره بأن التاريخ لا يحاسب لا بلخادم ولا أبو جرة ولا أويحيى ولا أي من بقية مروجي حكمه بالأمس، ولن يحاسب لا سعداني ولا بن صالح ولا عمار غول ولا عمارة بن يونس الذين يروجون له هذه الأيام، وإنما سيحاسبه هو وسيسجل كل شيء باسمه وعليه... نعم، التاريخ سيحكم على عبد العزيز بوتفليقة وليس على عمارة بن يونس.