خرجت يوليا تيموشنكو، رئيسة الوزراء السابقة، من السجن خاركوف وتوجهت مباشرة إلى "الميدان"، على كرسي متحرك، لتخاطب المتظاهرين الذين استقبلوها استقبال الرؤساء. فأخذت الميكروفون ودعت الجميع إلى "إتمام العمل"، أي مواصلة النضال حتى إسقاط النظام، في وقت رفضت الترشح لمنصب رئاسة وزراء البلاد. اختفى الرئيس المقال فكتور يانكوفيتش، الذي وقّع منذ يومين وثيقة مع المعارضة، بتحكيم أوروبي، تقضي بإقرار انتخابات رئاسية مسبقة وتشكيل حكومة وحدة وطنية وخاصة، العودة إلى دستور 2004 الذي يقلص من صلاحيات الرئيس، فكانت هذه الخطوة بمثابة الثغرة التي استغلها م البرلمان ليعلن شغور منصب الرئيس ويصوت على إطلاق سراح تيموشنكو ويعين رئيس البرلمان الجديد، ألكسندر تورتشينوف، المحسوب على هذه الأخيرة، لتولي منصب رئيس الدولة بالنيابة، حتى انتخابات مسبقة ستجري في 25 ماي المقبل، وتم تأميم إقامة الرئيس المخلوع التي أبهرت المواطنين الذين زاروها والتقطوا صورا تذكارية بها... هذه جملة من الإجراءات التي اتخذها البرلمان، الذي مال بسرعة في جهة المعارضة، بعدما استقال نواب الحزب الحاكم من تشكيلتهم القديمة لينضموا إلى المعارضة. لكن الإشكال الأوحد الذي يبقى قائما، يتمحور في احتمالات انفلات الوضع وتقسيم البلاد، كون سكان المناطق الشرقية يميلون إلى روسيا، عكس مقاطعات الغرب التي تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن. وكان الجيش قد أعلن، أول أمس، حياده ليبقى خارج الحلبة، ما يجعل المتتبع يتذكر السيناريو التونسي، باختلاف الثقل الخارجي الواضح في الحالة الأوكرانية. حيث نشاهد صراعا شرسا بين الغرب، الذي يريد إخراج أوكرانيا من فلك روسيا وروسيا، التي تريد إبقاء كييف تحت الوصاية، إلى درجة منحها إعانة مالية قيمتها 15 مليار دولارا وتخفيضات في أسعار الغاز قصد إبعادها عن الغرب. غير أن الغرب راهن على الشارع والحريات وحقوق الإنسان، خاصة بعد الأحداث الدامية الأخيرة، ليقلب موازين القوى. وأضحت أوكرانيا الآن في وضع جديد لم يتكهن به كاهن قبل أسبوع. وعادت تيموشنكو على كرسي متحرك، في عملية جلب استقطاب التعاطف الجماهيري، كما فعل زعيم الثورة البنفسجية في وقت سابق، لتصبح هكذا إيقونة، بل الشخصية الكاريزمية التي سوف تكون لها كلمة في التوجهات المقبلة. وقد تترشح بعد شهرين لمنصب رئاسة الجمهورية الأوكرانية وقد تفوز في غياب منافس قوي، على حساب وجوه المعارضة الثلاثة (الملاكم السابق فيتالي كليتشكو وأرسيني ياتسينوك، من رواد الثورة البنفسجية، والقومي المتطرف أولغ تياغنبوك) الذين كانوا يحرضون في “الميدان” ويتنقلون ذات اليمين وذات الشمال، ويتحاورون مع أوربا لتعويض العرض المالي الروسي، ويجندون الرأي العام. كما فعلت تيموشنكو في صنع مجد بطل الثورة البنفسجية، فكتور يوتشنكو، الذي وظف عملية التسمم في تحريك آلة الإعلام الغربية وقتذاك، ثم سقط فيما بعد بسبب سوء التسيير. ليبقى اللغز قائما حول الموقف الروسي في كسر هذا التحول النوعي في أوكرانيا، ذلك ما جعل المستشارة الألمانية، أنجيلا مركل، تنصح يوليا تيموشنكو بالعمل في اتجاه “وحدة” أوكرانيا.