أظهرت الحملة المسبقة للعهدة الرابعة حقيقتين هما، أن النظام لم يعد قادرا على احتواء صراعاته مقابل تجاوز المعارضة تدريجيا انقساماتها. ظاهريا هناك حكومة بأكملها والمسؤولون على أعلى مؤسسات الدولة كرئيسي غرفتي البرلمان وقائد أركان الجيش... مع العهدة الرابعة وأموال ضخمة وجيش إعلامي كبير تم تسخيره للعهدة الرابعة. لكن واقعيا كل هذا الحشد مجند لمراقبة بعضه البعض ورصد أخطاء بعضه البعض... وهو ما يفسر الورطة الكبيرة التي وقع فيها مدير حملة الرئيس مع غالبية الجزائريين بسبب عبارات كان يطلقها للمزاح مع أصدقائه وحولتها قنوات تلفزيونية يفترض أنها صديقة إلى تصريحات علنية رسمية... والحرب الدائرة داخل جيش حملة بوتفليقة عبر عنها بوضوح العائد إلى “خدمة الدولة” أحمد أويحيى، حين استهزأ بالمتملقين المحيطين بالرئيس وانتقد بشدة من يبيع صورة عن جزائر تعيش حربا بين قيادة أركان جيشها وقيادة مخابراتها... وعندما يقول أويحيى “أرادوا بيع صورة...” فمعناها توجيه هذه الصورة إلى الخارج. ولا أحد في الجزائر يجهل من أطلق هذه الحرب في وسائل الإعلام وعبر أي وسيلة بالذات وعلى من تحسب هذه الوسيلة بالذات وعلى من يحسب من أطلق الحرب بالذات... هي إذن مغالطة، كما قال سيد أحمد غزالي، ولا توجد عهدة رابعة للرئيس الذي توقف عن ممارسة مهامه قبل انتهاء العهدة الجارية، بل النظام فضل فتح مرحلة انتقالية داخلية يتم فيها تصفية حساباته كما تصفى الحسابات بين أبناء العائلة الواحدة. وفي انتظار أن يصفي أبناء عائلة النظام حساباتهم، هناك مجتمع يتحرك ويعي حقوقه الأساسية، وسقف هذه الحقوق تجاوز نطاق السكن والشغل ورفع القدرة الشرائية... وتجاوزت نطاق المطالب السياسية التقليدية كفتح المجال السياسي والإعلامي واحترام حقوق الإنسان... وأصبحت مطالب الشعب مطالب ذات صلة بالهوية تستدعي إعادة النظر في الخارطة الأمنية والسياسية والإدارية والاقتصادية... للبلد وللنظام السياسي الذي يحكم البلد. فلن يرضى التوارڤ من الآن أن تحكمهم السلطة المركزية بأشخاص يحملونهم مسؤولية مآسيهم، ولن يرضى بنو ميزاب بالأعيان الذين تعينهم لهم السلطة المركزية والسياسة والمكانة التي تخصصها لهم السلطة المركزية داخل النسيج الجزائري، ولن يرضى الشاوية من الآن بالصورة التي خصصتها لهم السلطة المركزية عند باقي الجزائريين... ناهيك عن القبائل الذين رفضوا منذ عقود الصورة والمكانة التي خصصتها لهم السلطة المركزية في جسم الجزائر. أبناء النظام إذن اختلفوا حول تقسيم إرث آبائهم من الجيل الأول للحكام، والجزائريون قرروا تجاوز خلافاتهم. هم يريدون أن يكونوا جسما واحدا، ولذلك يريد كل عضو من هذا الجسم أن يتم الاعتراف به كطرف في هذا الجسم. ومثل هذا لن يستطيع النظام المتآكل أن يحوله عن أهدافه حتى لو استنجد بلويزة حنون اليسارية ولا بالأفافاس الوطني أكثر من محتكري الوطنية... القطار إذن انطلق.