قد ينغص صفو الحياة الزوجية مشاكل قد تكون حقيرة وقد تكون كبيرة، قد تكون راجعة لسبب مادي دنيوي، وقد تكون راجعة للجهل بأمر من أمور الشريعة، وأيًا كان السبب فلا بُدّ من مواجهة تلك المشاكل بعلاج إسلامي ورد ذكره في الكتاب والسُنّة، وفي هذا بيان لأهمية وخطورة شأن الأسرة وشأن العلاقة الزوجية في الإسلام، حيث يقول تعالى: ”والّتي تَخافون نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ واهْجُرُوهُنّ في المضاجِع واضْرِبُوهُنّ فإنْ أطَعْنَكُمْ فلا تَبْغوا عليهنّ سَبيلاً” النساء:34، فالعلاج يكون بالوعظ والتّوجيه وبيان الخطأ والتّذكير بالحقوق والواجبات، فإن لم ينفَع ذلك فبالهجر في المضجع، والله لم يطلق لفظ الهجر بل قيّده بالمضجع، وفي هذا توجيه إلهي حكيم، فلا يكون الهجر إلاّ في البيت ولا أمام الأسرة والأبناء أو أمام الغرباء، لأنّ الغرض هو المعالجة وليس التشهير أو كشف الأسرار، فإن لم ينفع ذلك فباللجوء إلى الضرب غير المبرح الّذي يتّقي فيه الوجه، والّذي لا يؤدي إلى الإضرار بالمرأة جسديًا ونفسيًا. وفي كلّ الأحوال، فإن الضرب الوارد في الآية أفضل من الطلاق، حتّى لا يتّهم ضعاف الإيمان ومرضى القلوب من المسلمين دين الإسلام باحتقار المرأة وإذلالها، فلا كرامة إلاّ في الإسلام ولا عِزّة إلاّ في أحكامه، حتّى إذا لم تنجح تلك الوسائل تدخّل حَكَمٌ من أهل الزوج وحَكَم من أهل الزوجة حتّى يصلحَا ذات البيّن ويجمعَا الأسرة والأولاد. وعندما تفشل جميع الوسائل في علاج الاختلاف ويصبح الإبقاء على رباط الزوجية شاقًا وعسيرًا، بحيث لا تتحقّق به الأهداف والحكم الجليلة الّتي أرادها الله تعالى، فالمخرج من هذه الضائقة يكون بالطلاق ولكن أيّ طلاق؟ إنّه الطلاق السني الّذي يُحقّق كجميع أحكام الشريعة الإسلامية مصالح العباد في الدارين، وهو الطلاق طلقة واحدة في طهر لم يحصل فيه جماع. فالطلاق في فترة الحيض طلاق بدعي، لكنّه يقع، وكذا الطلاق الثلاث والطلاق في الطهر الّذي حصل فيه وطء، فكلّ هذه الأنواع طلاق بدعي يأثَم صاحبه ولكنّه يقع طلاقًا في أصحّ أقوال أهل العلم. فقولك أيّها السائل إنّك طلّقتَ زوجتك ثلاثًا في مجلس واحد، ذهب الفقهاء إلى اعتباره طلقة واحدة، أمّا خروج زوجتك بعدما طلّقتها إلى بيت أهلها فخطأ، فعلى المرأة إذا طلّقها زوجها طلاقًا رجعيًا أن تبقى في بيت الزوج لا تخرج ولا يخرجها أحد قال تعالى: ”لا تُخرِجوهُنّ من بيوتِهِنّ ولا يَخرُجْنَ إلاّ أن يأتينَ بفاحشة مُبيّنة” الطلاق:1، وفي بقائها في بيت زوجها حِكم كثيرة، فهو سبيل وسبب مراجعتها واستشارة عواطف المودة في زوجها، حيث قال سبحانه وتعالى في ذلك: ”لا تدري لعلَّ اللهَ يُحدِثُ بعدَ ذلك أمرًا” الطلاق:1. أمّا قولك إنّها بقيت في بيت أهلها لمدة ستة أشهر، فدليل على انقضاء عدّتها إن لم تكن حاملاً، وبما أنّ عدّتها انقضت فهي بائنة منك بينونة صُغرى، وإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، وإن أردتَ مراجعتها فلا بُدّ من عقد جديد. أمّا إن كانت التطليقة الثالثة فإنّها لا تحل لك حتّى تنكِح زوجًا غيرك على غير نية التحليل فيُطلّقها أو يموت عنها. وهذه الأحكام الّتي ذكرناها أعظم دليل على قدسية الأسرة في الإسلام، فالحمد لله الّذي أنعَم علينا بنعمة الإسلام.