أصدرت دار البصائر الجديدة كتابًا جديدًا للدكتور عبد الملك مرتاض يحمل عنوانًا جميلًا ومعبّرًا هو ”نظرية السياسة وقوام الرئاسة”، وهو عبارة عن مجموع قيم من ثلاث عشر مقالات دبجها يراع كبير أدباء الجزائر وشيخ نقّادها عندما راعه وأفزعه ما يعصف بأمّته من محن وزوابع وما يعتوها من فتن وزعازع في السنوات الأخيرة. وانطلاقًا من وعيه بمسؤوليته التاريخية تجاه أمّته الإسلامية ووطنه العربي وأداء منه لواجب النّصح والبلاغ وعدم تأخير البيان عن وقته وانسجامًا مع طبيعته الإيجابية ومشاركة منه لأولي النُّهَى والتّجارب -وهو منهم- في تأصيل الرُّؤى والمواقف والنّظريات السياسية والحضارية الكفيلة بإخراج أمّتنا من تخلفها السياسي والاقتصادي والثّقافي وانتشالها من الوهدة الّتي كبكبت فيها ولما تبصر بأعينها الكليلة طوق النّجاة الممدود إليها وهي لا تني تعشو بأبصارها الكليلة تلك عن أشرعة قوارب النّجاة الّتي تمرّ بها في كلّ آن وحين. ولئن لمح القرّاء خروجًا من الكاتب الكبير عن مألوف ما اعتادت قريحته الثرة وملكته المعطاء أن تجودَا به علينا من إسهاماته العجيبة وإلهاماته الغريبة وآرائه اللّبيبة وإضافاته الأريبة في مجال الدراسات اللّغوية والأدبية والنّقدية من بنوية وسيمائية وتقويضية وتأويلية وسريالية ومعجمية وروائية وغيرها، فإنّ واقع الأمر وحقيقة الحال لمَن هو على صلة مستمرة واطلاع دائم وموصول بالإنتاج الأدبي والفكري لأديبنا المرموق وناقدنا الموثوق أنّ شيخ الأدباء والنّقاد في الجزائر (الدكتور مرتاض) ليس طارئًا على الكتابة في مثل هذه المواضيع والأطروحات، وليس ثمّة طفرة ولا نفرة فقد سبق له أن أثرى المكتبة الإسلامية بعدّة دراسات في السّيرة النّبويّة وغيرها، وها هو اليوم واستجابة لرغبة صديقه الفيلسوف العراقي الدكتور رسول محمد رسول الّذي آنس منه قدرة على الخوض في فقه الواقع بعدما خاض طويلًا في لجج وبحار فقه اللّغة وصال وجال في ميادين النثر والشّعر وغشي مجالس الدّرس والمناظرة وتفسّح أمدًا طويلًا في حدائق الأدب يتحفنا بهذه الباقة النّضرة العطرة من البحوث الفكرية والدّراسات السياسية الّتي أصدرها في شكل مقالات تذكّرنا بمقولات السّابقين من جهابذة علماء السياسة الشّرعية وأرباب علم الاجتماع والعمران. ومهما تحفّظ بعض القرّاء على بعض الآراء الّتي سجّلها الأستاذ الجليل في كتابه هذا، إلّا أنّ ذلك لن يمنعهم –يقينًا- من مشاركتي في إعلان الانطباع بأنّ كاتبنا البارع قد أثبت بهذا الكتاب القيّم أنّ هذا الفضاء الجغرافي المغاربي الممتد في الزّمان والمكان والّذي كثيرًا ما أغمطه شقيقه الجناح المشرقي حقّه ونفس عليه فذاذته وفرادته ونبوغ أدبائه وعلمائه، ما زالت رحمه ودودًا ولودًا، ومازالت تنجب في الآخرين أمثال مالك بن نبي ومحمد عابد الجابري وأبو القاسم سعد الله وعبد الملك مرتاض، كما أنجبت في الأوّلين أمثال ابن عبد البرّ وابن رشد وابن خلدون وابن الأزرق. وختامًا، حفظ الله الدكتور ودامت قريحته خصبة ثرّة يانعة نافعة.