سلال يعترف: "الجلفة تعرّضت لأخطاء الحكومات السابقة" يصف بعض المثقفين “الجلفة” بأنها كتلك “الغجرية” المرأة الفاتنة التي تصرّ على الابتعاد عن الماء والاغتسال رغم أنها جميلة، كما يتفق المختصون في العديد من القطاعات الحيوية، كالفلاحة والصناعة والسياحة، أن ولاية الجلفة يمكنها أن تكون ولاية نموذجية، فهي الولاية الوحيدة التي تحدّها 9 ولايات ولا تبعد عن عاصمة الدولة إلا بساعتين سير ولا تتجاوز مدة السير بينها وبين أبعد ميناء إلا أربع ساعات، إضافة إلى قرب مطارين منها، هواري بومدين بالعاصمة والأغواط. هذه الميزات وميزات أخرى لم يشفع لها أن تحقق الكثير من المكاسب لسكانها ولكل سكان الجزائر، بل لا زالت الجلفة تعاني ويعاني مواطنوها من الكثير من العجز والتخلف، وبشهادة الوزير الأول الذي صرح خلال زيارته لها أن هذه الولاية كانت ضحية أخطاء الحكومات السابقة وأنها “قلب الجزائر”. رغم الهياكل الصحية التي بنيت من قاعات علاج وأخرى متعددة الخدمات ومراكز صحية، وآخرها افتتاح مستشفى الإدريسية، ومبالغ أخرى منحت للقطاع في إطار البرنامج التكميلي الذي أعلن عنه الوزير الأول خلال زيارته للولاية، إلا أن الرأي العام يجمع على أن هناك تقصيرا كبيرا وعجزا لا يمكن إخفاؤه، وهذا ما تأكد منه وزير الصحة حين استقبله مرافقو المرضى بمصلحة الاستعجالات، حيث أكدوا له “أن ما تراه أمام عينيك ليس حقيقيا يا سيادة الوزير، والحقيقة أن الوضع كارثي والمرضى يعانون من العجز في التغطية الصحية، ومن سوء معاملة بعض المستخدمين من أطباء وممرضين وإهمال بالمستشفيات”، خاصة ملف السرطان الذي لا زال هاجسا حقيقيا للسكان، إضافة إلى أمراض أخرى لها علاقة بسوء التغذية. ويبقى مواطنو الأرياف والقرى المنتشرون عبر البلديات خاصة الجنوبية يعانون من النقص الفادح في التغطية الصحية، بسبب سوء تسيير القطاع الصحي من جهة وسياسة بعض “الأميار” الذين برمجوا إنشاء قاعات علاج في مناطق غير آهلة بالسكان وبعيدة عن الكهرباء التي تمثل شرطا أساسيا في بناء الهياكل الصحية، وتحوّل الأمر إلى إهدار للمال العام وتغليب “منطق العروشية” في توزيع المشاريع. ورغم وعود والي الولاية التي أعطاها خلال زياراته الماراطونية التي قام بها بعد تنصيبه من أجل تدارك الأمر، إلا أن الحال بقي على ما هو عليه، وبقيت معه نداءات المواطنين من كل مناطق الولاية بتوفير الممرضين والأطباء وإنقاذهم من لسعات العقارب التي أودت بحياة 6 مواطنين الموسم الماضي، وما ذلك إلا على سبيل المثال، والتي لا زالت تهدد حياتهم وحياة أطفالهم، إضافة إلى معاناة نسائهم الحوامل من الموت المحقق بسبب انعدام القابلات، وبعد المستشفيات عن مناطقهم. كما يؤكد الأولياء في مختلف بلديات الولاية، وحتى مديرو المؤسسات التربوية، أن هناك عجزا كبيرا في المراقبة الطبية للتلاميذ، وأن الطب المدرسي يعاني هو الآخر، خاصة مع المستوى الاجتماعي الهش الذي يعاني منه 80 بالمائة من السكان. مئات الملايير ومسلسل العطش مازال مستمرا تصدّرت ولاية الجلفة قائمة الولايات سنة 2013 في عدد الاحتجاجات بسبب غياب أو انعدام الماء الشروب في كثير من الأحياء بالمدن الكبرى، كالجلفة وحاسي بحبح ومسعد وعين وسارة، رغم مشروع جلب الماء من “واد الصدر” بغلاف مالي تجاوز 250 مليار سنتيم، والذي سمي بمشروع “القرن”، وأكد المسؤولون حينها أنه سيقضي على أزمة المياه نهائيا، إلا أن السكان في كل مرة يخرجون إلى الشارع احتجاجا على انعدام الماء، ومازال سكان العمارات، خاصة الطوابق العليا، يشكون من فاتورة شراء الماء بسبب غياب الماء عن حنفياتهم منذ استفادتهم من هذه الشقق. ومازال هذا المشروع الذي أكد المواطنون أنه يمثّل سوء تقدير المسؤولين حين لم يسجلوا مشروعي مدّ الماء وإعادة تأهيل شبكة القنوات في وقت واحد، ما اضطر عشرات الآلاف من السكان لشراء الماء وبأسعار تجاوزت ال1000 دينار للصهريج في عزّ الشتاء، ليصل إلى 1600 دينار في فصل الصيف، وكلّف هذا خزينة الدولة الملايير من قِبل ديوان الترقية والتسيير العقاري بسبب إصلاح وترميم أسطح العمارات التي اضطر المواطنون على وضع خزاناتهم عليها. وبعيدا عن المدن فسكان الأرياف والقرى مازالوا يحملون الشكوى نفسها منذ أكثر من 20 سنة، ورغم مئات الملايير التي صرفت في قطاع الري إلا أن مسلسل العطش مازال مستمرا. ربع مليون متمدرس والقطاع يعيش أزمة منذ 15 عاما قال الوزير الأول، عبد المالك سلال، مخاطبا سكان الجلفة: “علّموا أولادكم امليح، وراقبوهم. وأنا أعرف أن مستوى التعليم في الجلفة ضعيف..”. هذه الكلمات التي مازالت راسخة في أذهان سكان الجلفة الذين أكدوا أن سلال لم يخطئ، لكنه نسي أنه لا يمكن أن يستقيم القطاع، وقد مرّ عليه 6 مديرين خلال 5 سنوات. وأكد العشرات من الأساتذة أنه لا يمكن أن تكون هناك نتائج أو مردود ومديرية التربية تعيش الفوضى، حيث تحوّلت مصالحها إلى ما يشبه “مكاتب اليد العاملة”، ولا أثر للحديث عن القضايا البيداغوجية التي تعنى بالتلميذ. وأصبحت أروقة المديرية تعجّ بطالبي التوظيف أو التجمعات والاحتجاجات على سوء تسيير المسابقات، والاتهامات التي أوصلت الكثير من موظفي القطاع إلى أروقة العدالة ومكاتب قضاة التحقيق، وآخرها مسابقات العمال المهنيين التي حوّلها خطأ تقني في إجراءات المسابقة إلى “قنبلة موقوتة” قد تفجّر احتجاجات جديدة. ورغم أن المديرية تشرف على أكثر من ربع مليون متمدرس وتسيّر 17 ألف موظف، إلا أنها مازالت دون رؤساء مصالح، وأغلب المكاتب تسير بالتكليف، ما رفع حجم الأخطاء في الإجراءات وفي وثائق المستخدمين. ويرى الكثير من الأساتذة والمعلّمين والمختصين أن الأولياء شركاء في تردي قطاع التربية، بسبب صمتهم وتجاهلهم لمعاناة أبنائهم جراء سوء التمدرس. فرغم أن الجلفة تمتلك أكثر من 600 مؤسسة تربوية إلا أن عدد جمعيات أولياء التلاميذ الفعلية والناشطة لا يتجاوز ال20، ما وسّع من لامبالاة وتقاعس الكثير من المؤطّرين بسبب عدم مراقبتهم. البناءات الفوضوية تحوّل المدن إلى قرى صرفت الخزينة العمومية أكثر من 7 آلاف مليار سنتيم على مشروع القضاء على السكنات الهشة، بإسكان ما يفوق ال7 آلاف نسمة موزعين على 1703 شقة، عن طريق إحصاء 2260 بيت. وجاء التكفل بهؤلاء السكان عن طريق قرار الحكومة بتخصيص برنامج للقضاء على هذه البناءات، إلا أن النتيجة كانت مخيّبة، حيث لم يختلف الأمر، ولم تكن ال7 آلاف مليار كافية، لأن عملية الترحيل نجحت، والشق الثاني من العملية والمتعلق بالهدم فشل وبقيت السكنات الفوضوية على حالها، بل تم استغلالها من قِبل أشخاص وعائلات أخرى خرجت هي الأخرى إلى الشارع أكثر من مرة تطالب بالترحيل وبإسكانها في شقق جديدة. وتوسعت مطالبهم بعد أن منحهم الوزير الأول خلال زيارته إلى ولاية الجلفة مشروعية مطلبهم، بعد أن أمر والي الولاية بضرورة الإسراع في إجراءات الترحيل. ويأتي هذا القرار في الوقت الذي تؤكد السلطات، على جميع مستوياتها، أن نسبة كبيرة ممن استفادوا من الترحيل باعوا شققهم ومنهم من أجّرها وآخرون استبدلوها بقطعان ماشية وسيارات. ويعتبر العديد من المواطنين المعنيين بالسكنات الاجتماعية أن هذه الظاهرة قد أصبحت تهدد حظوظهم في الاستفادة، لأنهم يخشون من قرار آخر يأمر بتحويل جزء من السكنات الاجتماعية إلى هذه الفئة، متهمين، في الوقت ذاته، السلطات بكافة مستوياتها التي لم تستطع أن تفرض القانون تقوم بوقف البناء الفوضوي الذي أصبح يتزايد بشكل مقلق ووصل إلى انتهاك الغابات والمساحات الفلاحية. وتساءل محدثو “الخبر” عن جدوى وجود النصوص القانونية وآليات تنفيذ قرارات الهدم كالقوة العمومية التي تبقى من صلاحيات رؤساء البلديات ووالي الولاية، واعتبر البعض من المواطنين أن تخوّف السلطات من تنفيذ القرارات سيجر الولاية إلى مخاطر كبيرة. 14 نائبا وأكثر من ألف جمعية والمواطن يعاني اعتبر مواطنو الجلفة أن التعديل الأخير في زيادة حصة ولاية الجلفة من مقاعد البرلمان من 10 مقاعد إلى 14 “تحصيل حاصل”، وأن واقع الولاية والقضايا التي كان من المفروض أن يحملها نواب البرلمان إلى السلطات العليا بقيت على حالها، مؤكدين أن العديد من المشاكل المرتبطة أساسا بالهيئات المركزية، والتي توجب على نواب البرلمان أن لا يكتفوا بالأسئلة الكتابية والشفوية، ويدافعوا عنها عن طريق النقاشات وإقناع أصحاب القرار بضرورة حلها، كتسجيل مشروع المستشفى الجامعي الذي يبقى من أهم مطالب السكان، إضافة إلى ضرورة إنشاء مديرية تربية ثانية للنهوض بقطاع التربية الذي فشل 3 ولاة في حل معضلاته، وبقاء الولاية تعاني من سوء النتائج. وتساءل العشرات من المواطنين عن مهام نواب البرلمان الذين التقوا معهم في الحملات الانتخابية، وسمعوا منهم الوعود بأن يرافعوا عن الجلفة وعن مصالح مواطنيها، ولم يظهروا إلا بعد أن بدأت الحملة الانتخابية، حيث أصبح عدد منهم يتزاحمون على المقاعد الأولى في التجمعات من أجل “الكاميرات”. بالمقابل، يبقى أداء الكثير من الجمعيات، باختلاف نشاطها وأهدافها، يمثل هو الآخر لغزا محيرا، حيث إن هناك أكثر من ألف جمعية إلا أن أغلبها لم تتجاوز الأختام، واقتصر بعضها على تزكية هذا المسؤول أو التنديد بذاك. ورغم الشكاوى المتعددة والمطالب بضرورة تطهير قائمة الجمعيات بفتح تحقيق عميق عن مدى نشاطها وتفاعلها مع مختلف شرائح المجتمع، إلا أن السلطات مازالت لم تحرّك ساكنا وبقيت هذه الجمعيات تنشط بعيدا عن هموم وقضايا المواطن الحقيقية، المرتبطة بسوء التغطية الصحية وسوء التمدرس وغياب التهيئة، ومشاكل أخرى اشتركت فيها كل بلديات الجلفة ال36.. ويبقى الكثير من المواطنين في البلديات والقرى النائية يرفعون شعار “زورونا كل سنة مرة”. أنشر على