مرّ الزلزال الذي ضرب العاصمة قبل أسبوعين بسلام دون أن يخلف ضحايا، غير أن هزاته الارتدادية لاتزال متواصلة، لتكشف عن بركان كامن في “بولوغين” مركز الهزة، اسمه “عملية الترحيل الاستعجالية”، وهو بركان بصدد الثوران، في غياب رئيس البلدية الموجود في عطلة. “الخبر” اقتربت من العائلات المتضررة التي لا تزال تنتظر فرج الترحيل. بولوغين هنا “تنفست الأرض” لتهتز تحت أقدامنا، وهنا أيضا تقبع عائلات تنتظر قدرها المحتوم تحت أسقف يمكن أن تنهار في أي لحظة، لتجر البيوت المشيدة فوق الصخور إلى البحر مباشرة “ فمرحبا بالبحر قبرا لنا إن لم تنعم أجسادنا بقبر الدنيا”، يقول أحد المتضررين وهو يشير إلى بيته الآيل للسقوط والمطل على البحر مباشرة. رحل المستأجرون واستثني ملاك البيوت توقفنا بنهج الأمير خالد، الذي يضم أكبر عدد من البيوت المدرجة في الخانة الحمراء والتي صدر قرار تهديمها، وهناك استوقفتنا حالة جميلة بن عاشور، وهي معاقة تقيم في بيت من ثلاث غرف ضيقة، ورثته عن والدها، وتقيم فيه معها شقيقتها المتزوجة وعمها وأبناؤه، استفاد هؤلاء من الترحيل، والمفاجأة أو الصدمة التي حاولت جميلة وصفها بكلمات مبعثرة أنها هي صاحبة البيت لم يشملها الترحيل، وعندما استفسرت عن حقها كان جواب البلدية “يمكنك أن تسكني في بيت شقيقتك”. حالة أخرى لا تقل غرابة لشاب يقيم في بيت صهره في الحي نفسه، جاءت وثيقة الترحيل باسم الصهر فيما أقصي صاحب البيت، يقول صهر ضحية عملية الترحيل الغريبة في حديثه إلينا “لم استوعب الأمر، عندما ذهب حماي إلى البلدية ليستفسر عن الأمر أعلم أن وثيقة الترحيل صدرت باسمي أنا زوج ابنته، ولما اكتشفوا الخطأ، تصوري ماذا طُلب منه (اذهب إلى صهرك واطلب منه أن يوقع على التنازل عن قرار الاستفادة)، والأغرب أيضا أنه عند الترحيل لم يرحل لا الصهر ولا والد زوجته. شقق لعائلة واحدة وإقصاء آخرين في حديثنا إلى أبناء الحي كشف الكثير ممن تحدثنا إليهم أنهم عادوا أدراجهم إلى بيوتهم المهددة بالسقوط، بعد أن اكتشفوا بأن الشقة كانت من نصيب فرد واحد من العائلة، فيما أقصي الآخرون، وهو حال عائلة درداري العيد، الذي استفادت والدته وشقيقه من شقتين، فيما أقصي هو رغم أنه معاق وأب لثلاثة أطفال. “ما هي المعايير التي تم الاحتكام إليها، إذا كان الترحيل يشمل فقط صاحب البيت، فلماذا منحت شقة لشقيقه، وإذا كان يشمل الجميع لماذا تم استثناؤه”، يقول جار العيد الذي يعاني من صعوبة في الكلام، إلا أنه لم يعجز عن إيصال ندائه بدموعه. وإذا كانت باقي العائلات تقطن بيوتا ضيقة وقديمة، فعائلة باي تصنع الاستثناء، فهي تقيم في بيت واسع من خمس غرف تعود ملكيته للجدة وردية وهي أرملة شهيد، يقيم معها أربع عائلات من أبنائها وأحفادها وأبنائهم وهم 11 فردا، أما المضحك المبكي في القضية أن صاحبة البيت لم تستفد من الترحيل رغم أن عقد الملكية باسمها، فيما استفاد أحد أحفادها من شقة بثلاث غرف، والعائلات الأربع التي تشغل البيت الكبير مطالبة بإخلائه في أقرب وقت لتهديمه، والإقامة في الشقة التي استفاد منها الحفيد. يقول أحد أحفاد صاحبة البيت “أنظري أختي، هل يمكن تقبل تعويض بيت مثل هذا بشقة من ثلاث غرف؟ ومن نصيب فرد واحد فقط من العائلة، فيما يكون الشارع مصير البقية وصاحبة البيت على رأسهم”. وأردف محدثنا أن أحد المسؤولين في البلدية كان قد استقبلهم قبل سنة وأشعرهم بأن البيت مدرج في الخانة الحمراء ومهددة بالانهيار، ووعدهم بتعويضهم بثلاث شقق “فيما كنا نطالب بأربعة بالنظر إلى شساعة البيت وعدد العائلات التي تشغله، لتتم مفاجأتنا بمنح شقة واحدة لشقيقي واستثناء جدتي وعائلتي وعائلة عمي، تصوري أن شقيقي الذي تم ترحيله اضطر لإعادة غرفة نومه لأن غرفة الشقة الجديدة لم تسعها”. هل زواجي من أجنبية يلغي حقي؟ استوقفتنا حالة شاب متزوج من إنجليزية ويقيم في شقة ضيقة من غرفتين رفقة عائلته، أقصي من الاستفادة من عملية الترحيل، وبغض النظر عن حقه في الاستفادة أو لا، فاجأنا المبرر الذي ذكر المتحدث أن المسؤولين في البلدية استثنوه بسببه “أنت متزوج من أجنبية، ويمكنكما السفر إلى بلادها! “. وتحدث أبناء الحي المقصين من الترحيل عن عدة تلاعبات في توزيع الشقق حمّلوا مسؤوليته إلى أحد المسؤولين في البلدية، مشيرين إلى أن قائمة الترحيل شملت عناوين وهمية لم يعد لها وجود رحل أصحابها سنة 2001 بعد حملة باب الوادي، وعائلة استفادت من خمس شقق.. وإلى أن يثبت صدق هذا الكلام لايزال هؤلاء في انتظار ساعة الفرج.