قد تبدو من الوهلة الأولى مثل هكذا عنوان غريب لدرجة الاستفزاز، سواء كان بالنسبة للسلطة الممارسة لدور الحكم أو لباقي الشعب الذي له حق المتابعة والرقابة فيما يخص الكيفية المتعبة في أداء الشأن العام، لأن كليهما يشعران أنهما في سفينة واحدة تلطمها الأمواج من كل جانب. هذا في حالة ما وجد شكل التناغم والتناسق بين السلطة كجهاز تمثيل وتخطيط وتوجيه وتنفيذ، وما بين الشعب كأداة مراقبة ومتابعة، لأن الأمر لا يتعلق فقط بحالة معينة بذاتها يمكن محاصرتها ومن ثم معالجتها في الآنية المطلوبة، ولكن هي حالة عامة مست جميع المؤسسات العامة بالوهن القاتل للهمم والمحبط للنفوس يتجلى ذلك في نتيجة حاصلة الآن بعد ستين سنة من الاستقلال.. فراغ في برامج السلطة نتيجة اتكالها على عائدات الريع، يقابلها استياء شعبي من الفوضى في غياب أي قرار سياسي، ما يثير حالة من القلق المؤثر على المناخ العام. مقابل هذا تعتمد السلطات السياسة التكتم سعيا منها لربح الوقت بينما الوضع لا يمكن مجابهته بهذا النهج، ما يعجّل بوجوب المكاشفة بحقيقة الأوضاع ومصارحة الشعب ببرامج الحلول من خلال المؤسسات السيادية الممثلة له. الكلام غاية في الأهمية، لكن المعلومات فيه غاية في الغموض، ما صار من الواضح وجود حالة من التذمر والرفض لممارسات لعبت السياسة دورها فيه. وفي محاولة للفهم بعيدا عن القوالب تثار تساؤلات عديدة، وفي وسط هذا الهرج والمرج وبعد مرور ستين سنة على الاستقلال لا يستطيع المرء أن يخفي شعوره بالدهشة والانزعاج، حين يقرأ كل الأحداث المتداولة على الساحة الإعلامية الآتي ذكرها، ولا يكون لها صدى عندا الساسة ومتتبعي الشأن العام حقاً.. عندما يتم حشو الجهل بجهل هل تنتظر منه أن يبدع عبقرية، تدرك أنك في بلد ينحر “المستقبل” ليقتات عليه “الماضي”. - عندما يصرح أثقل وأكبر رئيس حزب في الساحة السياسية قبل شهور أن مشروع الدستور القادم سوف يعرض على أعضاء البرلمان بغرفتيه للمصادقة دون المرور على الشعب هكذا، ولا يكلف نفسه عناء تقديم مبررات سياسية مقنعة لذلك تحس أنك في بلد العجائب، ثم يتمادى ليضيف لها تصريح مريب وغريب في الشكل والموضوع، ويقول متهما الأمين العام الأسبق للحزب التاريخي ذاته بأنه يحرض على الفوضى السياسية من خلال تمرد رجال الشرطة، ثم يمر هذا الكلام هكذا دون رد رادع، فاعلم أنك لا محالة في دولة الغرائب. - عندما يصرح نقيب القضاة ويتهم الحقوقي فاروق قسنطيني بتغليط رئيس الجمهورية، لأنه كان يعطيه معلومات غير صحيحة ولا نعرف حجم ونوع المعلومة، ويمر الموضوع مرور الكرام، فنحن فعلا في بلد العجائب. - من حقنا أن نعلم الحقيقة، هل ما تنشره الصحافة الأجنبية ومواقع الأخبار حقيقي؟ أم لا؟ بالتحديد ملفات الفساد وسوناطراك والطريق السيار.. لقد صرنا محصورين بين شرين.. شر الفساد وشر المفسدين، لا خلاف في ذلك. - عندما تعمد وزارة الداخلية إلى تكوين رؤساء البلديات في كيفية إدارة أمور البلدية، وهي تعلم أنهم ترشّحوا للانتخابات تحت غطاء سياسي، مقدمين برنامج، متعهدين أمام الشعب على تنفيذه في حدود العهدة الانتخابية، ثم بعد مرور سنتين تدرك السلطات الوصية أن جل البلديات يسودها سوء إدارة وسوء تسيير، ما سببا نفور المواطن من أداء حق المواطنة، وبالتالي طلاق تعسفي بين الجهات والشعب، ومن ثم غياب التوجيه، وبالتالي غاب الأداء، وضاع الوقت في حق الأجيال، وتلك هي الحقيقة المحزّنة، تمثلت في قتل الحياة السياسية والمجتمع المدني ومحاصرة وإفساد القوى والأحزاب المدنية في نهاية المطاف، نتج عنها مجالس مشلولة متصارعة وبعيدة عن الأداء العام. يمر هذا دون عقاب فعلم أنك في بلد العجائب. أتفهم أن كل الحقائق تمر بثلاث مراحل: الأولى أن تتعرض للتسفيه، والثانية أن تُقاوم بعنف، والثالثة أن تصبح من المسلمات، لكن أن يغيب العقاب فأنتظر سوء العواقب. [email protected]