شهدت مساجد الجزائر والزّوايا والمدارس القرآنية ليلة مولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حراكًا علميًّا ثريًّا تمثّل في دراسة السّنَّة النّبويّة الشّريفة والسّيرة العطرة لرسول الإنسانية عليه الصّلاة والسّلام إلى جانب سماع الأناشيد الدّينية والمدائح النّبويّة، في حين قامت العائلات بزيارة الأقارب وصلة الأرحام ولمّ شمل الأسرة، وتوزيع الصدّقات على الفقراء والمحتاجين. برغم تخصيص قطاع كبير من المجتمع الجزائري جُلّ وقتهم في المساجد لسماع الأناشيد الدّينية والمدائح النّبويّة ودروس حول السّيرة النّبويّة الشّريفة احتفاء بذكرى مولد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، إلاّ أنّ قطاعًا كبيرًا من الشّباب يفضّل هذه الذّكرى في إسراف وتبذير أمواله إلى أقصى حدٍّ عن طريق صرف مبالغ جدّ معتبرة على اقتناء المفرقعات وأشياء ليس لها أيّ قيمة أو علاقة بديننا بل العكس نرى فيها مضرّة مادية ومعنوية فهي تبذير من جهة وأذًى للنّفس من جهة أخرى. والمتتبِّع لمراسيم الاحتفال بمولد الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم يجده (الاحتفال) لا يرتقي لهذا اليوم العظيم ولا يُعبِّر عنه التّعبير الإسلامي الّذي جاء به النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، بل هو يُعبِّر عن تحويل المولد النّبويّ من يوم تذكر فيه السّنّة النّبويّة والسّيرة العطرة إلى عادة غير أخلاقية ولا اقتصادية، بل تضرّ بمجتمعنا وثقافتنا أكثر ما تنفعهما. وما يلاحظ من خلال هذا الاحتفال البهيج بمولد خير البرية صلّى الله عليه وسلّم هو تحويل هذه الذّكرى من ليلة لقراءة السّيرة النّبويّة الشّريفة إلى ليلة للمآسي، بحرق النّاس أموالهم في شراء المفرقعات وتفجيرها على المارة والسيارات، حيث امتلأت المستشفيات بضحايا هذه المفرقعات، منهم المصاب ومنهم المعاق والعياذ بالله. وإنّ ثقافة التّبذير محرّمة بصريح القرآن الكريم، ولا أحد يملك الحقّ في إسقاط مادتها الشّرعية لا تاجرًا ولا مسؤولا، وقد تحدّثت آيات كثيرة في القرآن الكريم عن المال من جميع الجوانب، وذلك يدلّ قطعًا على العناية الّتي يوليها الإسلام لحفظ الأموال، وصرفها فيما ينبغي أن تصرف فيه. والآيات الّتي أمر الله سبحانه وتعالى فيها بحفظ المال ونهى فيها عن التّبذير والإسراف، فمنها قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} الإسراء:29، وقوله عزّ وجلّ: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} الإسراء:26-27، وكذلك قوله جلّ وعلا: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} الفرقان:67. وقد رغّب الله عزّ وجلّ في حفظ المال في آية المداينة، حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرّهن، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} البقرة:282. وقد عرَّف العلماء التّبذير: بأنّه صرف الشّيء في ما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، بمعنى أن يكون وجه الصّرف جائزًا في الأصل، ولكن الصّرف فيه خرج عن حدّ الاعتدال، كما عرّفوا السّفه بأنّه: صرف الشّيء فيما لا ينبغي. فاحرص رحمك الله على تحويل الاحتفال بالمولد النّبويّ الشّريف إلى يوم تدرُس فيه السّنّة النّبويّة الشّريفة، والسِّيرة العطرة للنّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وصلة الأرحام الأحباب، والتصدّق على الفقراء والمساكين عوّضًا عن شراء المفرقعات، وشراء الألعاب وزيارة الأطفال والمرضى بالمستشفيات ودور اليتامى، أو مساعدة شخص ذا حاجة وغير ذلك من الفضائل الّتي تُؤجَر عليها.