“رشق قاضيا بالحذاء وقذف آخر بمطارية..”، مشهد يصعب على العين تصديقه ويعجز اللسان عن الوصف والذهن عن تصديق الوقائع.. لكن وللأسف هذا ما آلت إليه الأوضاع التي أصبح القضاة يزاولون مهامهم فيها، ورغم أنها حالات نادرة الحدوث، إلا أن العاملين في سلك القضاء يعتبرونها إنذارا يستحق الانتباه، ويجب التوقف عنده. تشهد محاكم العاصمة ارتفاعا محسوسا في حالات الاعتداء على القضاة بالسب والشتم والضرب، حيث ما إن ينطق رئيس الجلسة بالحكم حتى يتلقى وابلا من الشتائم من المتهم ومن ذويه، وهو ما يدفع القاضي إلى مطالبة كاتب الضبط بإشهاده على العبارات التي تم التفوه بها تحسبا لمتابعته بجنحة إهانة هيئة قضائية. ويعتبر القاضي الحامي الأول لحقوق المواطن من اعتداءات الأشخاص الخارجين عن القانون، لكن المثير للدهشة هو أن يتعرض القاضي ذاته للاعتداء في جلسة المحاكمة التي يترأسها بصفته قاضيا، وفي بعض الأحيان في محل إقامته، أو أثناء توجهه لمنزله. ومع أن من المفروض أن تتوفر الأجواء الملائمة للقضاة ليتمكنوا من أداء مهامهم دون أي ضغوط نفسية قد تنجم عن خوفهم من رواد الجريمة الذين يظنون بأن الأحكام التي تسلط عليهم سببها القضاة وليس القانون. قاض يُرشق بمطارية وآخر بحذاء في جولة لها داخل المحاكم، رصدت “الخبر” أجواء عاشها القضاة في حالات خاصة جعلتهم يتحولون من إلى ضحايا اعتداءات لفظية وحتى بالضرب. ومن تلك الأمثلة الموثقة على مستوى مصالح العدالة، أن رائدا سابقا في الجيش قام برشق رئيس الجلسة بالغرفة الجزائية الثامنة على مستوى مجلس قضاء العاصمة بحذائه بتاريخ 16 جانفي 2011، وكان المتهم قد سبق أن قذف النائب العام منذ حوالي 3 أشهر بمطارية. المتهم وأثناء مثوله للمرة الثانية أمام محكمة حسين داي لمواجهة تهمة إهانة هيئة نظامية، اعترف بالتهمة المنسوبة إليه ورفض الخوض في تفاصيل الحادثة، مصرحا أن حقه سُلب منه منذ فترة طويلة، فما جدوى أي تصريحات سيدلي بها اليوم، مؤكدا أنه تعرض لظلم شديد وضغوط كبيرة هُضمت بسببها حقوقه، وهذا ما جعله يتصرف على هذا النحو. في المرة الثانية أيضا، كان الممثل القضائي للخزينة العمومية الذي تأسس كطرف مدني في القضية، قد عايش الواقعة عن قرب وأبدى في مرافعته استغرابه من سلوك المتهم واستهجانه له، على اعتبار أن الجلسة كانت للنطق بالأحكام، والحكم الذي أصدره رئيس الجلسة لم يكن موجها له بل لشاب آخر، ليتفاجأ الحضور بالمتهم ينزع حذاءه ويرشق رئيس الجلسة به، وهو تعبير لم يجد له الحضور والدفاع أي تفسير. مدمن مخدرات يهين قاضية! وحدث خلال محاكمة رجل يبلغ من العمر 46 سنة بتهمة تعاطي المخدرات، وبعد تقديم وكيل الجمهورية التماسه الذي أثار غضبه المتهم، وتناوله الكلمة للتعليق مثلما ينص عليه القانون، أطلق العنان للسانه بأقبح الألفاظ، وراح يصرخ مرددا أن محاكمته “لم تكن عادلة”، وأنه “لا يحسب حسابا لا للحكومة ولا للقضاء ولا حتى للشعب الجزائري”، وأنه ليس “مجنونا ويعي ما يقوله ويتمسك بتصريحاته”، الآمر الذي أدى برئيسة الجلسة إلى مطالبة كاتبة الضبط بتسجيل إشهاد عن أقواله، وبعد ذلك تمت إحالته مباشرة على وكيل الجمهورية لسماعه على محضر. يخطف مسدس الشرطي ويحاول قتل القاضي ومن القصص التي يرويها أحد القضاة ما حدث لزميل له بمحكمة المسيلة، حيث مباشرة بعد نطقه بحكم الإدانة على أحد المتهمين تحولت القاعة لمسرح لجريمة كادت أن تُرتكب، بعد أن خطف قريب المتهم المدان مسدسا من شرطي وصوبه نحو القاضي. وعندما حاول شرطيان تجريده من السلاح انطلقت رصاصة أصابتهما بجروح متفاوتة. الواقعة كانت في سنة 2013 بمحكمة المسيلة، وكاد القاضي أن يدفع فيها حياته ثمنا لحكم بالإدانة. المحامي.. شريك في الحكم وفي سياق ذي، صلة يتبادر لذهن المتقاضين أن المحامين ملزمون بتحقيق نتيجة، وبمجرد ما تصدر العدالة أحكاما لا تتناسب ورغباتهم يترصدون للمحامي ويعتدون عليه بالضرب، تارة داخل جلسة المحاكمة أو حتى في بهو وأروقة المحكمة، وأحيانا يؤجرون أشخاصا انتقاما منهم على عدم إفادة أبنائهم بأحكام البراءة. يتعرض للضرب المبرح بعد النطق بالحبس النافذ ومن القصص ما يروى عن قيام مجموعة من الشباب بالترصد لمحام معتمد لدى المجلس، وانهالوا عليه بالضرب المبرح أثناء توجهه لمنزله ليلا. وعن سبب اعتدائهم عليه، صرح المتهمون لدى مساءلتهم من قبل قاضي الجنح أن 3 من أصدقائهم تورطوا في قضية الإخلال بالنظام العام وتم توقيفهم وتحويلهم على المحاكمة. وفي هذه الأثناء، قرروا توكيل محام معروف بحنكته في مثل هذه المتابعات القضائية، فاختاروا صاحبنا المحامي حتى يدافع عن أصدقائهم وقدموا له مستحقاته، وبعد صدور الحكم تفاجأ أصدقاء المتهمين بالقاضي وهو يصدر عقوبة سنتين حبسا نافذا، الأمر الذي أثار غضبهم ودفع بهم للترصد له والاعتداء عليه بالضرب. ولم تشفع استغاثات المحامي ومحاولاته للدفاع عن نفسه هذه المرة من أن ينال حظه من العقوبة التي قبضها “نقدا” وعلى الفور. مجنون يطعن محامية بخنجر لتأسسها في قضية حجر على ممتلكاته ومن الأمثلة ما وقع لمحامية بالعاصمة لم تكن تعلم أن تأسسها في قضية حجر ستكلفها المكوث بالمستشفى شهرا كاملا، وذلك بعد تعرضها لطعنة خنجر من شاب قرر أحد أقاربه إقامة الحجر على ممتلكاته، كونه فاقدا للأهلية العقلية ويعاني من جنون متقطع، وتقدم من مكتب المحامية مستعينا بخبرتها في المجال وطلب منها إعلان تأسسها في القضية. وبعد قيامها بكافة الإجراءات، قررت القاضية الحجر على ممتلكاته، وعندها ترصد لها بعد خروجها من مكتبها وظل يتبعها إلى أن باغتها وطعنها بالخنجر. شاب ينطح محاميا ومن القصص التي تحدث بكثرة داخل المحاكم، الاعتداء على المحامين بضربات الرأس أو ما أصبح يعرف عند الكثير ب “نطحة زين الدين زيدان”.. فقد تعرض محامٍ أثناء تدخله للدفاع عن زميلته التي تعرضت لتهجم لفظي عنيف من قبل طليق موكلتها، بمجرد خروجهما من جلسة الصلح، وراح يشتمها ويهددها ويتهمها بأنها هي من تقوم بتحريض زوجته عليه في قضية خلع. ولما شاهد أحد المحامين هذا المشهد أخذه كبرياؤه وشرف التضامن مع زملائه إلى التدخل لانتشال زميلته من بين “أنياب” هذا المتقاضي الغاضب، لكنه فشل ودخل معه في مناوشات كلامية، انتهت بتلقيه نطحة أفقدته توازنه.