هل إطلاق النار المتبادل بين سعداني ولويزة حنون هو مجرد صراع ”ديكة” بين حزبين حول طبيعة ونوعية المسافة التي تربطهما بالسلطة؟ أم أن وراء هذه التصريحات المشحونة صراعا بين أجنحة داخل منظومة الحكم بدأت تلقى بخلافاتها وتخرجها للشارع، على خلفية حالة الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعرفه البلاد؟ قوبلت تصريحات زعيمة حزب العمال التي قالت إن الرئيس لم يف بوعوده الانتخابية، برد فعل عنيف من قبل الأمين العام للأفالان عمار سعداني، بالرغم من أن حزب العمال، وإن اقترب كثيرا من السلطة، لم يكن عضوا منخرطا مع أحزاب الموالاة حتى يحاسب أو يعاتب بمثل هذه الشدة من قبل سعداني. فما الذي أزعج قيادة الأفالان في تصريحات حنون؟ في وقت كانت تصريحات أحزاب أخرى في المعارضة أشد قسوة على الرئيس ومحيطه. لقد ظلت لويزة حنون حتى وقت غير بعيد، ناقلا لرسائل السلطة في أكثر من مرة، وتوطدت تلك العلاقة في الحملة الانتخابية للعهدة الرابعة وتبعتها بعدها، بحيث كانت حنون من الشخصيات القلائل الذين التقوا مع الرئيس بوتفليقة عقب أدائه اليمين الدستورية، وجرى بينهما تبادل أفكار ومواقف، وبالتالي ظلت مواقفها قريبة من السلطة ومن الرئيس بالذات، من خلال دفاعها عنه ضد خصومه في المعارضة، وهو أمر جعلها في أعين أحزاب الموالاة من ”أهل البيت”، ومن ثم لا يجوز لها ما يجوز لغيرها من أحزاب المعارضة الأخرى. وبدوره تميز سعداني، منذ تربعه على عرش الأفالان في اجتماع الأوراسي وخرجته الإعلامية ضد مدير جهاز المخابرات، بأنه ناقل لرسائل جهة داخل منظومة الحكم هي التي فرضته على رأس الأفالان، وأن خصومه في الحزب الذين لم يعترفوا بشرعيته تحركهم جهة أخرى، وهو ما جعل الأفالان كحزب يتفرق دمه بين مختلف الأجنحة داخل النظام. وعندما يخرج سعداني دون سابق إنذار ليطلق النار على تصريحات لويزة حليفة الرئيس في الرئاسيات الأخيرة، فان الأمور أقرب إلى مقولة ”الثورة مثل القطة، عندما لا تستطع أن تستمر تبدأ في أكل أبنائها”، ما يعني أن النظام يعيش قلاقل في داخل صفوفه، وصعد الدخان من مدخنته في السماء، وزادت حالة ”ستاتيكو” في الرئاسة من متاعبه، خصوصا في ظل توالي الانتفاضات الشعبية، سواء ضد الغاز الصخري أو ما تعلق بالوضع الاجتماعي أو بشأن التوتر الأمني بالمناطق الحدودية. هذه المعطيات وردت في تصريحات حنون التي ربطت بين تصريحات سعداني وهجوم ”أمنيستي” على المخابرات الجزائرية التي قالت إنها استندت عليه في ضرب وحدة الجيش الجزائري، ما يعني أن سعداني الذي أطلقت عليه حنون وصف ”زعيم أغلبية متوهمة” يمثل واجهة فقط للذين يحركونه، وهدفهم إضعاف قائد المؤسسة الأمنية وتقوية مؤسسة الرئاسة حتى يتسنى لهم تمرير مشاريعهم، في إشارة ضمنية إلى من يسمون ”المحيطين بالرئيس”. ولعل هذه المعادلة وراء قراءة حنون للدوافع التي حركت سعداني ضدها أن ذلك لم يكن مجانيا، وجاء استجابة للأوليغارشيا التي أزعجتها مواقف حزب العمال الأخيرة، حيث انتقدت حنون بشدة رجال أعمال مقربين من شقيق الرئيس، في إشارة منها إلى حدوث الزواج بين السلطة والمال. وعلى خلفية هذا التراشق بين حنون وسعداني، يمكن فهم لماذا تم تأجيل التعديل الحكومي الذي رافع لأجله عمار سعداني؟ ولماذا التأخر في إصدار التعديل الدستوري؟ ولماذا استقوت المعارضة بعدما ظلت متشتتة منذ ولادتها الأولى؟ وتفسر أيضا لماذا حملت حنون الرئيس بوتفليقة جزءا من مسؤولية ”التفسخ السياسي” الحالي بسبب عدم استكماله الإصلاحات العميقة، لكون الدستور الحالي يخدم المستفيدين من حكم الرئيس أكثر من أي دستور آخر.