لقد فوجئت بهذا الحال للأستاذ محمد الميلي التي آلت به ليستجدى المسؤولين كي يمكنوه من العلاج في مصحة متخصصة. سبحان اللّه فالأستاذ محمد الميلي، فضلا عن منصب سفير، تولى كما ذكر الأستاذ بوعلام رمضاني مشكورا في لفت الأنظار إلى هذه المأساة التي تعمقها دولتنا بما أوتيت من طاقة جحود وكنود، قلت تولى وزارة التربية الوطنية في أوائل التسعينيات، كما مثل الجزائر بتوليه منصب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة التي مقرها تونس، وقد شهدت في عهده نشاطا ثقافيا وعلميا وحركية مثمرة. وهو أيضا كاتب مجيد صاحب فكرة وآراء، ولغة راقية رضعها في بيت والده الشيخ مبارك الميلي. وقد أدت زوجته زينب التبسي، بنت الشيخ العربي التبسي العالم والشهيد رحمه اللّه، دور الدافع المستميت كي يظل قلما رفيعا قويا وطنيا. طيب هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ إذا كان الرجل أدى واجبه الوطني على المستوى الذي أداه، طوال تاريخه الثقافي وفي مسؤولياته وربما لم يكن يرى ذلك إلا واجبه، فهل يجازى بالجحود والكنود البالغين حد الإذلال من دولة يعيث في مالها العام الفاسدون والمفسدون، والذي ربما كثير منهم كانوا ينامون ويصحون على سب الجزائر ومقوماتها وشعبها وتاريخها، يحتقرون أصالتها ويزدرون شعبها؟! هل نستطيع أن نقمع في نفوسنا هاجسا خطيرا وهو أن عناصر متنفذة في دواليب السلطة باتت تنتقم من كل وطني أصيل وسليل أسرة أصيلة كأسرة الشيخ مبارك الميلي رحمه اللّه؛ إنها قتامة الظل الاستعماري من خلال خلفه المقيت. وما الفرق بين الأستاذ محمد الميلي والرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟ أليس كل منهم من جيل الثورة، وخدم البلاد في مرحلتي الاستعمار والكفاح ثم الاستقلال؟ ألم يقدم كل منهما للوطن خدمات جليلة الأول ثقافيا ومعنويا، والثاني سياسيا؟ متى نتفطن إلى حقارة هذا المنهج التحقيري النذل، الذي عبر عنه- مثلا حسب قول زوجته مسؤول وزارة الصحة- لزوجة الميلي زينب التبسي؟ للأسف فهذا الرويبضة يتطاول على مقام ابن الشيخ الميلي وبنت الشيخ العربي التبسي الذي كان الرجال يخشون رفع أبصارهم في عينيه لقوة شخصيته، ورجولته وشجاعته. إني لأدعو لانطلاق حملة دالة حضاريا في المقام الأول لرد الاعتبار لهذه الشخصية الوطنية، وتحميل الدولة مسؤولياتها إزاءه، ولتكن فرصة لترسيخ ثقافة “احترام وتكريم الرموز” التي خدمت الجزائر ثقافة وتاريخا بإخلاص. ولنقدم للأجيال القادمة نمطا جديدا في تقدير من يستحق التقدير وتكريمه بما هو مستحق، وبناء صرح من القيم والمبادئ والتقاليد التي تليق بالمجتمعات والدول المتحضرة. سنُحاسب من اللّه تعالى لفرط التبديد الفاجر لمقدرات الأمة المعنوية والمادية، وتعريض النعم التي حبانا اللّه تعالى بها للضياع، تحت شهوات من لا يرون في البلد إلا منجم مال يعبون منه سحتا وعدوانا، فيملأون بطونهم نارا.