تصافح الرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، ونظيره الأمريكي، باراك أوباما، أول أمس الجمعة، وهي المرة الأولى التي يحضر فيها زعيما البلدين تجمعا رسميا منذ انهيار علاقتهما في عام 1961. قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، برناديت ميهان، إن الرجلين اجتمعا وتبادلا التحية قبل المراسم الافتتاحية لقمة الأمريكتين التي تعقد في بنما. وهذه المرة الأولى التي توجه فيها دعوة لكوبا للمشاركة في الاجتماع الإقليمي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إن “وجود رئيس كوبا راؤول كاسترو هنا اليوم يجسد رغبة أعرب عنها الكثيرون في المنطقة”. وابتسم كاسترو وضحك وتجاذب أطراف الحديث مع الرئيس البنمي، خوان كارلوس فاريلا، وزوجته لدى وصوله وقبل أن يأخذ مكانه بين قادة دول المنطقة. وتخللت المراسم خطابات ترحيب من قبل فاريلا والأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية، خوسيه ميغيل أنسولزا، ورسالة من البابا فرانسيس الأول. وفي عشاء عمل رسمي، عقد في فناء عند أنقاض بلدة “بنما فيجا” التاريخية، تناول الزعيمان عشاء من المشهيات التي تضمنت أسماك السلمون والكافيار. ومثلت تلك المصافحة أحدث إشارة رمزية لانفراج العلاقات، منذ أن اتفق أوباما وكاسترو، أواخر العام الماضي، على بدء مسار تطبيع العلاقات، علما أنه منذ قيام الثورة الكوبية وتأميم الشركات الأمريكية في كوبا، لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين اللتين يفصل بينهما شريط ضيق من المياه. وفي وقت سابق، التقى أوباما مع منشقين كوبيين في منتدى للمجتمع المدني، على غرار ما حدث مع المنشق الكوبي مانويل كويستا موروا و14 ناشطا آخرين، ما يؤكد الانقسامات الداخلية في كوبا، في الوقت الذي يحاول إقامة الجسور مع كاسترو. وقال أوباما أمام المنتدى “مع بدء الولاياتالمتحدة فصلا جديدا في علاقتنا مع كوبا، نأمل أن يؤدي هذا إلى خلق بيئة تساعد على تحسين حياة الشعب الكوبي، ليس لأنها فرضت من جانبنا، الولاياتالمتحدة، ولكن من خلال الموهبة والإبداع والطموحات والحوار بين الكوبيين من جميع مناحي الحياة”. وقد جعلت الولاياتالمتحدة من ضمانات حقوق الإنسان في كوبا حجر زاوية في تقاربها مع هافانا، بينما أصرت كوبا على حذفها من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب قبل المضي قدما في هذا الأمر، حيث وصف الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرجل النزيه، متمنيا رفع الحصار الأمريكي على بلده، واتخاذ قرار سحب كوبا من قائمة أمريكا للبلدان الداعمة للإرهاب، في أسرع وقت ممكن من قبل واشنطن. ليست المصافحة، التي حصلت في بنما، أول أمس، بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو الأولى من نوعها، حيث سبق للرجلين أن تصافحا بمدينة سويتو الجنوب إفريقية لأول مرة عام 2013، على هامش مراسم دفن الزعيم نيلسون مانديلا. وتجلى واضحا من خلال صورة المصافحة الجديدة بين الرئيسين، أن الرئيس الكوبي يحدق مليا في وجه نظيره الأمريكي، الذي يبدو محرجا بعض الشيء، كما لوحظ أن أوباما هو من ألح، منذ قيادة حملته الانتخابية الرئاسية الأولى عام 2008، على ضرورة فتح علاقة صفحة جديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكوبا. ولكن باراك أوباما تفطن بنفسه شيئا فشيئا إلى أنه من الصعب جدا فتح الصفحة الجديدة في العلاقات بين البلدين بسرعة لعدة اعتبارات، منها أن الطبقة السياسية الأمريكية تمكنت من غرس فكرة في أذهان الأمريكيين لعشرات السنين، مفادها أن كوبا بلد يناصب الولاياتالمتحدة العداء، ويشكل خطرا على أمنها القومي وعلى المبادئ التي يؤمن بها المواطن الأمريكي، وذلك منذ وصول فيدال كاسترو، شقيق الرئيس راؤول كاسترو، إلى السلطة عام 1959. أما الكوبيون فقد تربوا، منذ قرابة ستة عقود، على فكرة غرسها فيهم فيدال كاسترو، مفادها أن رؤساء الولاياتالمتحدة، منذ ستينات القرن الماضي، “إمبرياليون”، وأن رغبتهم الوحيدة تتمثل في محاولة إعادة استخدام جزيرة كوبا القريبة جدا من الحدود الأمريكية كمحطة سياحية لأثرياء الأمريكيين. وفعلا تربى جيلان من الكوبيين على فكرة أن ساسة الولاياتالمتحدةالأمريكية لا هم لهم إلا محاولة إذلال الكوبيين عبر حظر فرض اقتصادي عليهم استمر أكثر من خمسة عقود، ولا يزال قائما حتى الآن، رغم أنه خفف بعض الشيء في السنوات الأخيرة. ويدرك الرئيس الأمريكي أن هذه المصافحة ستظل جزءا هاما من بصمته الخاصة في مسار علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية مع بلدان أمريكا اللاتينية، أيا تكن الضغوط التي سيمارسها المعترضون على تطبيع العلاقات الأمريكية الكوبية داخل الولاياتالمتحدة. وبدوره، يدرك الرئيس راؤول كاسترو أنها ستظل علامة بارزة في بصمته المتعلقة بالطريقة التي يسعى، من خلالها منذ وصوله إلى السلطة عام 2008، إلى فتح كوبا على العالم الغربي، ولاسيما على الولاياتالمتحدة. وليست العملية سهلة بالنسبة إليه، لأنه يعرف أن عددا من رفاقه العسكريين الذين يسيطرون اليوم على الاقتصاد الكوبي عبر القطاع العام، غير مرتاحين كثيرا لبعض الإجراءات التي اتخذها منذ أن تولى مقاليد الحكم، ومنها اقتطاع حيز لا يزال صغيرا من القطاع الخاص لمواكبة التغيير التدريجي الذي يرغب في إرسائه في كوبا، وجعلها تتصالح مع الولاياتالمتحدة، بعد قطيعة استمرت أكثر من نصف قرن، ومع ذلك فإن راؤول كاسترو مقتنع بأنه من غير المنطقي أن يرفض اليد الممدودة إليه وإلى كوبا من قبل الرئيس الأمريكي وغالبية الرأي العام الأمريكي، الذي يرى اليوم أنه من الضروري فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.