ووري الثري، أمس، جثمان الفنان امحمد بن ڤطاف، الذي رحل عن عمر ناهز 75 سنة، وحرصت الأسرة الفنية والأدبية على حضور مراسيم تشييع الفقيد إلى مثواه الأخير، بمقبرة العالية بالعاصمة. وسط حضور غفير للفنانين المسرحيين والأدباء، انطلق، أمس، موكب تشييع جثمان عميد المسرح الجزائري امحمد بن ڤطاف من بيته بالقبة باتجاه مقبرة العالية، وذلك تنفيذا لوصيته الأخيرة، التي أكد فيها على أن تكون جنازته عادية دون بروتوكولات. والتقت النخبة الفنية وعمال المسرح الوطني، الذي أشرف الراحل على إدارته لمدة عشر سنوات، لمواساة عائلته، حيث أجمع المشيّعون على خصال الرّجل الإنسانية، وما تميّز به من عطاء فني وفكري طيلة حياته، وما قدّمه للمسرح منذ تعيينه سنة 2003 كمدير عام للمسرح الوطني محي الدين بشطارزي. وقال الفنان إبراهيم شرقي، أن الفقيد كان صديق الفنانين الأول، وأستاذ الأخلاق ومدرسة في الفن المسرحي، حيث قدم العديد من الأعمال المسرحية الخالدة، كما وصفت الفنانة ليندة سلام، الراحل بالمدرسة الإنسانية، وقالت: “تعلّمت مع بن ڤطاف وحضرت تدريباته وأنا فخورة جدا لأنني عرفت هذا الأب”. كانت رسالة بن ڤطاف التي ظل يرددها على مسامع الجميع “إن الجزائر وطن لا يحمي حدوده الدبابات، وإنما الثقافة”، وهو ما يختزل العديد من المواقف التي سجلها منذ توليه إدارة المسرح الوطني، من أبرزها، حسب شهادات الحضور، حرصه على خدمة الشباب وتأكيده على ضرورة إعطاء الفرصة للجيل القادم، من خلال تعيين عديد الفنانين الشباب ممن درسوا بمعهد برج الكيفان بالمسرح الوطني، على غرار الفنان الشاب إبراهيم جاب الله وحفيظة بالرازي ومنيرة روبحي. كما كان بن ڤطاف مدافعا عن مبدأ احترام الورشات التكوينية، وأسس لثقافة التعليم في العديد من المسارح الجهوية، وبنا جسرا بين الأدب والمسرح، وهو ما تجسد من خلال حضور الأدباء، على غرار أمين الزاوي الذي بدا متأثرا جدا. وفي مسيرة الرجل الراحل، حسب شهادة عمال المسرح الوطني، تأسيس المهرجان الوطني للمسرح المحترف كمحطة عربية ودولية ومجلة المسرح. ونعى المخرج المسرحي الفرنسي إيفان رموف، الراحل أمحمد بن ڤطاف في رسالة وجهها إلى المسرح الوطني قال فيها: “لقد كان لي الشرف العظيم بأن تعاملت معه في عدة مناسبات، كما أنني قرأت أعماله الرائعة وتعاملت مع بعضها، وكنا نحضر سويا لتأسيس مهرجان “هدوء الصباح” في شهر أفريل القادم، بمسرح لونش بفرنسا”. الجزائر: محمد علال
رحيل امحمد بن ڤطاف الركح يسدل الستار على أحد صنّاع الزمن الجميل رحل رجل المسرح امحمد بن ڤطاف، وسط الذين أحبهم وأحبوه، بعد أن أتعبته سنوات العمل وقاوم المرض في السنوات الأخيرة، لكنه رفض بلباقة طلب وزيرة الثقافة تحويله إلى إقامة من أجل الاستراحة منذ عامين وهو في سن ال73 سنة، لأن مزاجه اجتماعي ويحب أن يكون محاطا بأصدقائه، وهو الذي قال: “أنا آمنت بالمسرح حزبا وبالشعب عامة إخوة لي ورفاقا، وهذا يكفيني”. غادر بن ڤطاف صاحب “العيطة”، الذي علّمه المسرح الحكمة والتعاطي مع الناس، قبل أن يتحقق حلمه في أن يرى مادة المسرح ضمن البرنامج الدراسي كباقي المواد التربوية الأخرى، لأنه آمن دائما بأن “المسرح يعطي شعبا عظيما، والشعوب العظيمة تنطلق من المدرسة”. التحق امحمد بن ڤطاف بعد 50 سنة من العطاء، برفاق دربه عبد القادر علولة، عز الدين مجوبي، علال المحب، مصطفى كاتب، يحيى بن مبروك، عمي قاسي، حسان الحسني، الطيب أبوالحسن، كلتوم وياسمينة وغيرهم، ليودّع الركح الجزائري عاشقا له، قبل أن يكون ممارسا، وهو الذي كان “حبه الأول، والتمثيل عالمه الآخر، والمسرحية هي الجملة المفيدة التي يقولها للناس لينتفعوا بها”. يلخّص بن ڤطاف مسيرته بقوله “كنا نقوم بالنقد البنّاء، لم نكن نهدم من خلال النقد. كنا نقدّم مسرحيات لتشريح الواقع، بكل صدق، ولم نكن نشتم أحدا.. وهذا هو المسرح الجزائري”. التحق بن ڤطاف بأبيه الروحي مصطفى كاتب، الذي أدخله المسرح الوطني وأعطاه أول دور في مسرحية “عنبسة” عن نص للراحل أحمد رضا حوحو. الجزائر: ب.مسعودة
من المسرح الإذاعي إلى الركح.. نمت عبقرية أمحمد بن ڤطاف، ليس اسما مسرحيا فقط، بل هو قطار من الإبداع، مرّ على محطات متعددة من تاريخ الركح الجزائري، حيث بدأ بالمسرح الإذاعي مع الفنان الراحل محمد ونيش. يقول بن ڤطاف في أحد حواراته “المسرح الإذاعي أثّر كثيرا في تجربتي، ومحمد ونيش رحمه الله، أول من تبناني في الإذاعة”. لم يأخذ المسرح الإذاعي منه الكثير، ثلاث سنوات، قدم فيها أكثر من 600 مسرحية، وكان ينتج مسرحية كل عشرة أيام، هناك صقل موهبته في الإلقاء والحفظ الصحيح، وهناك أيضا ترجم نصي “عطيل” و«تاجر البندقية”. التحق بن ڤطاف بعد الاستقلال بالمسرح الوطني كممثل سنة 1966، مع الراحل مصطفى كاتب، الذي وثق في موهبته. اختاره لدور ولترجمة نص “إيفان إيفانوفيتش” لناظم حكمت، بعنوان “إبليس لعور كاين منو” سنة 1968، وكانت أول ترجمة رسمية في المسرح الوطني، وكُتب فيها اسمه على ملصقة العمل كممثل ومترجم. لتتوالى الأدوار والتجارب، سنة 1971 أسند له مصطفى كاتب تجربة “الرجل صاحب النعال المطاطية”، وكانت أول تجاربه في الكتابة للمسرح، انطلاقا من الترجمة.
“الشهداء يعودون هذا الأسبوع”، “العيطة”، “فاطمة”.. مسرح القلعة والعلامات الفارقة في مسيرة بن ڤطاف لا يمكن أن نذكر مسيرة الراحل أمحمد بن ڤطاف، دون أن نمر على العلامات الفارقة في المسرح الوطني والتي تعتبر إبداعات خالدة غير قابلة للتكرار، فمن ينسى مسرحية “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” التي اقتبسها عن نص الطاهر وطار، الذي يحمل نفس العنوان، حيث أعاد كتابة النص بطريقة إبداعية رائعة، يقول عنها امحمد في حوار له: “حضر الراحل الطاهر وطار العرض الأول وأعجبه كثيرا، وقال لي مازحا: (لقد قتلتنا بالوطنية)”. يشهد الجميع أن نهاية السبعينات وحتى بداية التسعينات، عرف المسرح الجزائري سنواته الذهبية وأنجز أفضل الأعمال، خاصة مع تأسيس “تعاونية مسرح القلعة” التي ضمت زبدة ما أنجبه المسرح الوطني، يقول بن ڤطاف عن المرحلة إنها “تميزت بوعي الفنان، كنا نقدم النقد البنّاء للمجتمع وليس الذي يهدم”.. وبعد إقرار التعددية، رفع المسرح صوته ب”العيطة” في إطار “مسرح القلعة”، الذي أسسه مع زياني شريف عياد، بعدما خرج من المسرح الوطني، وبدأ كتابتها سنة 1988، وعرضت يوم 5 أفريل 1989، وكانت من أنجح المسرحيات، وقدمت في الجزائر في حوالي 180 عرض، ثم جاء العمل المونودرامي “فاطمة” مع صونيا. وأنتج مسرح القلعة بين 1989 و1993 سبع مسرحيات من بين النجاحات الكبرى التي حققها بن ڤطاف في المسرح الجزائري، منها مسرحية “قالوا لعرب قالوا” المقتبسة عن نص “المهرج” لمحمد الماغوط، من طرف عز الدين مجوبي مع زياني الشريف عياد.
الكاتب المسرحي أحسن تليلاني ل “الخبر” بن ڤطاف فنان قدير
وصف الكاتب المسرحي أحسن تليلاني، شخصية المرحوم امحمد بن ڤطاف بالفريدة من نوعها، من حيث قدرته على الأداء والاقتباس المسؤوليين. وقال تليلاني في تصريح ل«الخبر”، إن بن ڤطاف عرف كيف يتخذ المواقف الحاسمة.
أين تندرج أعمال أمحمد بن ڤطاف المسرحية؟ أعمال بن ڤطاف مسرحية كثيرة، تألق فيها كاتبا وممثلا ومخرجا، من بإمكانه أن ينسى “قالوا لعرب قالوا” أو مسرحية “الشهداء يعودون هذا الأسبوع”؟ من بإمكانه أن ينسى امحمد بن ڤطاف في عباءة الشيخ العابد؟ من بإمكانه أن ينسى قوة النص وسحر التمثيل والأداء في تلك المسرحية الخالدة. تعرفت شخصيا على المرحوم، ما أهم شيء يشدّك في شخصيته؟ إن أكثر ما يشدّك في شخصية هذا الفنان القدير، بساطته الصادقة وحنوه، إلى درجة شعورك بأنك تعرف هذا الرجل منذ سنوات خلت، بل إنك لتشعر أنه من أهلك وذويك، يتحدث إليك بلسان عربي جزائري شعبي بسيط لا تأتأة فيه ولا كشكشة، لا يتقعر في العربية الفصحى، ولا يرطن بالفرنسية على عادة بعض الرهط عندنا. المؤكد أنه يحسن اللغات، لكنه يحسن ما هو أحسن من ذلك، وهي قدرته على استعمال المقال المناسب في المقام المناسب، ولربما تكون هذه الميزة في شخصية الرجل من بركات فضائل تعلمه في معهد ابن باديس بقسنطينة. وما هي أهم محطاته الإبداعية؟ مسرحية “العيطة” طبعا، المنجزة في إطار تعاونية مسرح القلعة، وهي التعاونية التي أقبل عليها امحمد بن ڤطاف سنة 1989 رفقة زملائه زياني الشريف عياد وصونيا وغيرهما، وإن هذه التجربة بالنسبة لنا هي تجربة مدهشة حقا، إذ كيف يمكن لهذا الفنان المتألق أن يغامر بمستقبله المهني، فيغادر مسرح الدولة ليؤسس فرقة خاصة؟ لقد غذت التجربة مضرب المثل في التحرر من ربقة القطاع العام، وبينما فضل الكثير من المسرحيين الاستمرار في النقاش حول مسرح الدولة والمسرح الخاص، وحول قانون الممثل، وقضية الإنتاج المسرحي، وغيرها من القضايا التي مازلنا إلى اليوم نلوكها في مناسبة وفي غير ما مناسبة. كان امحمد بن ڤطاف قد حسم خياراته، وشمّر على ساعديه معولا على موهبته الفذة في خوض غمار تجربة المسرح المستقل. الجزائر: حاوره ع. حميد
عندما بدأت آلة الموت تغتال الفكر والإبداع في الجزائر انتهى المسرح ذات سنة 1994 كانت سنة 1994 صعبة على عالم أب الفنون، حيث بدأ اغتيال المثقفين والفنانين، وكان أولهم عبد القادر علولة في فيفري من نفس السنة. وحينها انفصل عز الدين مجوبي عن فرقة “مسرح القلعة”، كذلك فعلت صونيا التي دخلت في تجربة أخرى، وأصبح الأمر صعبا جدا أن تنجز مسرحا في تلك الظروف الاستثنائية، والمرء لم يكن يستطيع الخروج من بيته بعد الخامسة مساء، ولم نكن في القطاع العام الذي يفور لنا الأجور. رحلة الرجل الفنان توقفت هنا، لتبدأ رحلة الإداري والمسؤول بمحاولات حثيثة لإعادة الحياة إلى المسرح، الذي اغتالته عشرية سوداء، ما زال يعاني إلى اليوم من آثارها، وإلى اليوم ما زال المسرح يتخبط ولن يفيق إلا بعودة من يقدّسون عمل السابقين من شهداء الركح، ولن يفيق إلا ب«عيطة” قوية تقول للجميع تاريخ المسرح الجزائري أكبر من التفاهات التي نشاهدها منذ مدة تعرض على ركح بشطارزي الذي يتألم اليوم لرحيل أحد رجالاته. بن ڤطاف.. حجر أساس نواة المسرح الجزائري الحديث قام أمحمد بن ڤطاف، بالإضافة إلى تجربة الترجمة، بقراءة أغلب كتابات المسرح الكلاسيكي، إضافة إلى نصوص كتّاب جزائريين، من بينهم أحمد رضا حوحو وكاتب ياسين وعبد القادر علولة وكاتب ياسين والطاهر وطار، ليكتب أول نص تأليفا خالصا بعنوان “حسنة وحسّان”، وكان ذلك سنة 1975، أنجزت في عنابة وأخرجها سيد أحمد أڤومي وجسدها فنانون أصبحوا نواة المسرح الجزائري الجديد، مثل صونيا، ومحمد فلاق، وحميد رماص ومصطفى عياد وغيرهم، وهي المجموعة التي حملت على عاتقها المسرح الوطني لسنوات. وبدأت رحلة الإبداع الأخرى، المتمثلة في الكتابة المسرحية والاقتباس، وكان ثاني عمل “قف” سنة 1977، وأخرجها الحاج عمر، ومثّل فيها عز الدين مجوبي وصونيا ومصطفى عيّاد وغيرهم. ثم مسرحية “جحا والناس” سنة 1980. م.ب
عمر فطموش الجزائر تفقد قامة من ذهب بن ڤطاف فنان كبير. أعتبره بمثابة جسر يربط بين جيل الستينات والسبعينات، والجيل الجديد. كان لا يزال قادرا على العطاء لولا المرض. وهو جسر آخر ينقطع بعد علولة وكاكي. هو فنان وممثل ومخرج وكاتب درامي، أعطى الكثير للمسرح الجزائري، وحتى كمسؤول فتح المجال للشباب حتى يبدع. إن رحيل بن ڤطاف يعد فعلا خسارة كبيرة للجزائر، فهو قامة من ذهب. عبد الكريم برشيد
كان مسرحيا مغاربيا بالدرجة الأولى عرفت المرحوم بن ڤطاف خلال التلاقي الموجود بين المسرحين الجزائري والمغربي. وقد قدم له المسرح المغربي مسرحية “فاطمة”، وعرفناه من خلال “قالوا العرب قالوا” مع زياني شريف عياد. بن ڤطاف ممثل مسرحي بارع، وكاتب مسرحي يتمثل القضايا الجزائرية والعربية، ورأيناه في مجموعة من الأعمال الرائدة. وكانت تجربته على رأس المسرح الوطني الجزائري محطة مهمة جعلته يؤسس للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، فجمع الأسماء العربية. وكان له معي عمل مشترك، إذ تبنى واحدة من أعمالي المسرحية وهي “الحكواتي الأخير” التي أسند إخراجها للتونسي المنجي بن إبراهيم. هذه الروح المغاربية كانت موجودة فعلا لدى بن ڤطاف. وأقول إنه لم يكن مسرحيا جزائريا فقط، بل مغاربيا بالدرجة الأولى، وقد أكد دائما على القص المسرحي والعلاقات الإنسانية الجميلة.