في ظروف أخرى غير ظروف هذه الأيام، قَبِلَ الرأي العام الجزائري ومعه مختلف الأحزاب اليمين زروال رئيسا للدولة ثم رئيسا للجمهورية بالرغم من أنه رجل عسكري لا علاقة له لا بالأحزاب ولا بالسياسة، وبطبيعة الحال اختير الرجل بعد أن عجزت سلطة تلك الأيام عن العثور على رجل يقبل برئاسة الجزائر، وكان من الذين رفضوها الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، لاعتقاده يومها مثل الكثير من الناس بأن الدولة ساقطة لا محالة بيد جماعة عباسي مدني. وفي ظروف أخرى قَبِلَ الرأي العام الجزائري بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية تحت مظلة الإجماع الوطني، لكن البلد كان يومها مرهقا ويقترب من الخروج من حرب ضروس خلفت أكثر من مائتي ألف ضحية وخرابا شاملا في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية... في الظروف التي جاء فيها زروال إلى الحكم، لم يكن غالبية الجزائريين يفكرون لا في حياة سياسية عادية وطبيعية ولا في مشاريع حزبية ولا منافسات انتخابية، لأن حلمهم الأول والأخير كان منصبا ومكرسا ومتجها نحو هدف واحد، هو العمل لإبقاء الدولة قائمة في وجه موجة إرهابية لم ترحم ولم تكن لترحم أحدا... أما في الظروف التي جاء فيها بوتفليقة إلى الحكم فقد كان حلم الجزائريين هو لملمة ما تبقى من هيئات الدولة ومؤسسات المجتمع للوقوف على أرجلنا مجددا. لقد كان المناخ العام خلال الظروف التي جاء فيها زروال ثم بوتفليقة مناخا مريضا، فقَبِل الجزائريون مكرهين سياسة الهروب إلى الأمام، أفلا يحق لنا الآن وبعد ست وعشرين سنة من انهيار الحكم في الخامس أكتوبر من عام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين، أن يتقدم مرشحون عن مختلف الأحزاب والتيارات للموعد القادم دون أن يعرف الجزائريون الشخص الذي ستفرز اسمه صناديق الاقتراع إلا بعد الانتهاء من عملية فرز أصوات الناخبين؟ إننا ندور في الفراغ منذ ست وعشرين سنة، فهل يعقل أن تقترح علينا السلطة الحاكمة وفي عام ألفين وأربعة عشر، مواصلة الدوران في هذا الفراغ المخيف... وهل يعقل أن لا تجد الأحزاب وبعد أكثر من عشرين سنة من حياة التعددية الحزبية بما فيها الحزب الذي يحكم البلد منذ خمسين سنة، من تقترحه على الرأي العام الوطني غير رجل غير قادر حتى على التكفل بنفسه مثلما هو حال مرشح “الأفالان” بوتفليقة الذي نتمنى له من أعماقنا وبصدق الشفاء والصحة والعافية، لكن دون أن يفكر ثانية في مواصلة حكمنا لأنه وببساطة غير مؤهل صحيا لذلك... أوَلا تجد هذه السلطة من تقترحه علينا سوى مسيِّر لا علاقة له لا بالأحزاب ولا بالسياسة كما هو حال عبد المالك سلال؟