أسدل الستار، مساء أمس، على الدورة السابعة والستين من مهرجان ”كان” السينمائي. وبغض النظر عن قائمة الفائزين بمختلف الجوائز، فإن هذه الدورة تناولت جرعة زائدة من التعاطي مع ”الظواهر الدينية”، فلم يمر يوم من المهرجان إلا وانفجر فيه النقاش حول قضية لها علاقة بالدين، وكان للإسلام ”الحظ الأوفر” من تلك الجدالات. فقد أصابت المخرجة الدانماركية شارلوت شويلر القائمين على الدورة السابعة والستين من المهرجان بحرج كبير، عندما قرّرت أن تجرب صعود درجات قصر المهرجان مرتدية النقاب، رغم أنها امرأة غير مسلمة. حضرت شارلوت شويلر هذه الدورة من المهرجان، بفيلم قصير يروي قصة امرأة مسلمة تبحث في باريس عن شقة وهي ترتدي النقاب، وقررت مخرجة ”سلور” أن تخوض التجربة وفي هذا تقول: ”بعثت بطلب إلى مصالح الأمن أستأذنهم صعود الدرجات مرتدية النقاب، لكني لم أتلق أي رد مكتوب، واقتصر الأمر على اتصال من أحد الأعوان الذي أخبرني بأنه تلقى تعليمات بالبريد الإلكتروني لمنع دخول أي شخص يرتدي علامة دينية”. ”التجربة الدانماركية” وعلى الرغم من هذا الاتصال إلا أن شويلر نجحت في صعود الدرجات يوم 15 ماي لمشاهدة فيلم ”ميستر تورنر” للمخرج مايكل لاي مرتدية الخمار والنقاب، دون أن يتعرض لها أحد، قبل أن تعيد الكرة بمناسبة عرض فيلم المخرج الأمريكي تومي لي جونس الذي يحمل عنوان ”هومس”، لكن أعوان الأمن هذه المرة أوقفوها على سلم قصر المهرجان وطلبوا منها نزع النقاب والخمار وهو ما فعلته، وبمجرد دخولها بهو القصر أعادت ارتداء الخمار فاقترب منها رجال الأمن للمرة الثانية وطلبوا وثائقها ووثائق مرافقها، لكنها أصرت على عدم الامتثال، فاضطر رجال الشرطة للاستعانة بأحد المسؤولين عن الجانب الأنجلوفوني من المهرجان، الذي تدخل لإنهاء ”الأزمة”. واتصلت صحيفة ”لوموند” الفرنسية بالمسؤول المعني الذي لم يخف غضبه، خاصة أنه اعتنق الإسلام قريبا، حيث صرح قائلا: ”مهرجان ”كان” لم يعد متفتحا وحرا كما كان في السابق، ثم كيف يعقل أن يسمح لامرأة بالدخول متنقبة وبعدها بأيام قليلة تمنع”، قبل أن يتساءل: ”هل كان القائمون على المهرجان سيمنعون رجلا مسيحيا من الدخول لو ارتدى زي الكنيسة؟”. قبلة الغضب ولم تبدأ متاعب الدورة السابعة والستين من مهرجان ”كان” مع ”القيم الدينية” مع المخرجة الدانماركية شارلوت شويلر، بل انطلقت ليلة الافتتاح، عندما أثارت الممثلة الإيرانية ليلى حاتمي غضب المسؤولين في طهران، بعد أن ”تجرّأت” على تقبيل رئيس المهرجان جيل جاكوب أمام كاميرات العالم، وهو ما دفع بنائب وزير الثقافة الإيراني إلى التنديد بهذا ”السلوك غير اللائق”، مبرّرا ذلك بكون ”المرأة الإيرانية رمز للبراءة، وعليه فإن سلوكا كهذا في مهرجان مثل ”كان”، لا يمكن أن يوصف إلا بغير المقبول”. ردّة الفعل القوية في طهران، فرضت على رئيس المهرجان، جيل جاكوب، الخروج عن صمته دفاعا عن ليلى حاتمي التي دخلت العالمية بفضل نيلها جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين سنة 2011، عن دورها في فيلم المخرج أصغر فرهدي ”الفراق”، قبل أن يحوز على أوسكار أحسن فيلم أجنبي في 2012، وقال جاكوب عبر تويتر: ”أنا الذي أحرج ليلى عندما اقتربت منها لتقبيلها”. سيساكو أردت تسليط الضوء على ثقافة شعب ولأنه تناول ظاهرة ”التطرف الديني”، أحدث فيلم ”تمبوكتو” للمخرج الموريطاني عبد الرحمان سيساكو ضجة كبيرة رافقت وتلت عرضه في إطار المسابقة الرسمية للدورة السابعة والستين. ”تمبوكتو” يروي قصة ”اختطاف” الثقافة والإبداع والتاريخ من طرف جماعات الإسلام المسلح في مدينة تمبوكتو المالية. وعن سؤال حول دوافع اهتمامه بهذا الموضوع، أوضح سيساكو، في تصريح ل”الخبر”، بأن ”الناس عادة ما يهتمون بعمليات الاختطاف التي قد تطال شخصين أو خمسة، أما أنا فأردت تسليط الضوء على اختطاف ثقافة شعب بكاملها، من طرف مجموعات مجنونة، تريد أن تفرض أحكامها وقيمها على الناس بحد السيف”، قبل أن يضيف: ”حجم الجريمة يكمن في كون هؤلاء أرادوا أن يقتلوا مدينة شكّلت لقرون نموذجا للتسامح والتعايش، ففي شوارع تمبوكتو كان يعيش العرب والطوارق وغيرهما من الأجناس والأعراق في انسجام مثالي”. تطرف مسيحي وكان المتتبعون قد رشحوا ”تمبوكتو” للدخول في منافسة شديدة على السعفة الذهبية مع فيلم ”جيمس هال” للمخرج العالمي كين لوش الذي تناول، من جهته، ”ظاهرة التطرف الديني” في العالم المسيحي، فالعمل الذي حاز إعجاب عدد كبير من النقاد والمتتبعين يروي قصة جيمي غرالتون الحقيقية، الذي يعود إلى إيرلندا في 1932، بعد عشر سنوات من النفي قضاها بالولايات المتحدةالأمريكية. وفي مدينته يقرر غرالتون إعادة فتح دار لاستقبال الفقراء وعابري السبيل، وهو ما أثار غضب المحافظين الذين تحركوا عبر كنيسة قرّر قِسّها تطبيق أحكام المسيحية على السكان بحرق الكتب ومنع الرقص والموسيقى والمسرح. ولد خليفة: فيلم ”جيمس هال” ذكرني بشيوخ ”الفيس” ساعات قليلة قبل كتابة هذا التقرير، التقت ”الخبر” بالمخرج الجزائري سعيد ولد خليفة بجناح الجزائر في المهرجان الذي تحول إلى محج للمخرجين والممثلين والمنتجين يلتقون فيه لتبادل الأفكار ورسم المشاريع وتصور ما يجب أن يكون عليه مستقبل السينما في الجزائر، واغتنمت الفرصة لسؤاله عن قراءته لهذه الجرعة الزائدة من الدين في الدورة السابعة والستين، كونه من العارفين الجيدين بكواليس المهرجان الذي يشارك فيه منذ ما لا يقل عن 36 سنة، فرد مخرج ”زبانا” مذكرا بأن: ”مهرجان ”كان” قام منذ البداية على فكرة التسامح ومبدأ الحرية، وكلنا يتذكر كيف أنه حمى السينما الإيرانية عندما سمح لها ببلوغ العالمية، لكن ما عشناه هذه الأيام لا يمكن إلا أن يغذي الأحقاد”، قبل أن يضيف: ”لكني في المقابل لا أخفي إعجابي بفيلم كين لوش ”جيمس هال” الذي ذكرتني بعض مشاهده بما عاشته الجزائر في سنوات التسعينيات، كما خُيل لي وأنا أرى رجل الكنيسة يطبق على حرية سكان المدينة كأنني أمام أحد شيوخ الفيس”.