طرح عدد من المتعاملين الاقتصاديين على مصالح الجمارك ووزارة المالية إشكالية المنظومة الجبائية والجمركية التي تنتج عنها، حسبهم، اختلالات وثغرات تدفع المتعاملين إلى تفضيل الاستيراد بدلا عن الإنتاج محليا، مشيرين إلى أن شركات جزائرية تجد نفسها أمام معضلة التكلفة، وبالتالي عدم القدرة على المنافسة، حينما تجد نفسها مجبرة على تسديد حقوق جمركية أعلى لمدخلات، مقابل دفع حقوق أقل للمنتوج النهائي. طرح المتعاملون هذه الإشكالية بإلحاح مع دخول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ، فضلا عن ارتقاب دخول الجزائر قريبا إلى المنظمة العالمية للتجارة، ولكن أيضا مع تسجيل ارتباط المؤسسات الجزائرية بالسوق الدولية من حيث المدخلات والمواد الأولية بنسبة تتراوح ما بين 50 إلى 70 في المائة على أقل تقدير. وحينما تلجأ المؤسسات الجزائرية المصنعة إلى السوق الدولية لاقتناء المدخلات والمواد الأولية، فإنها تخضع لنظام جمركي وتعريفي يعادل أو يفوق ذلك المطبق للمواد النهائية، وبالتالي أضحى المتعاملون يلجأون إلى الاستيراد بدلا من الإنتاج محليا، لأن المنتوج النهائي يصبح أقل تكلفة وأقل تعقيدا في مجال الإجراءات، مع إقرار الاعتماد المستندي في مجال التجارة الخارجية. وفي السياق نفسه، اعتبر السيد زموري خير الدين خبير بمؤسسة سوفيكلي المتخصصة في صناعة الألواح الرقمية والأبواب، أن الإشكال مطروح أمام العديد من المؤسسات المنتجة محليا التي تقوم باستيراد المواد الأولية والمدخلات، مشيرا إلى أن المؤسسة الجزائرية التي تأسست في 1998 كشركة ذات مسؤولية محدودة، وتوظف قرابة 250 عامل، تعتبر الوحيدة في شمال إفريقيا التي تصنع ألواح الترقيم، وباشرت عمليات تصدير باتجاه دول المغرب العربي وقريبا إلى أوروبا. وقد قامت الشركة، على غرار مؤسسات أخرى، بمراسلة مديرية الجمارك والسلطات العمومية، منبهة إلى الاختلالات المسجلة وعدم التجانس بين تكلفة المدخلات والمادة النهائية المستوردة، فالمادة النهائية بعد دخول اتفاق الشراكة حيز التنفيذ والتي كانت تفرض عليها حقوقا جمركية ب5 في المائة، أضحت تستفيد من إعفاء كامل من الحقوق الجمركية. بالمقابل، فإن المدخلات تفرض عليها نسبة 15 في المائة، وفقا لتصنيفات تعريفية خاصة، وغالبا ما يساهم الضغط الجبائي المطبق على صناعة ألواح الترقيم، ولكن على منتجات أخرى تدخل في مجال الصناعة التحويلية والمواد الغذائية في مضاعفة التكلفة بالنسبة للمنتوج المحلي، الذي يصبح أغلى بكثير من المادة المستوردة، ويفقدها أي مزايا تنافسية . ويعتبر متعاملون اقتصاديون أن الاختلال القائم يناقض جوهر الإصلاح الجبائي المصادق عليه سنة 2001، والتي تجلت في إعادة الهيكلة التي سمحت بتخفيض عدد النسب وإحداث تصنيفات للمنتجات على أساس المادة الأولية والمادة الوسيطة والمادة النهائية وكانت الجزائر تطبق عادة نسب 5 في المائة و15 في المائة و30 في المائة، كآلية تسهيل لشبكة نسب الحقوق الجمركية المعتمدة وضمان تسيير أفضل لعمليات التجارة الخارجية، فضلا عن ضمان فوارق بين استيراد المادة الأولية واستيراد مدخلات أو مواد أولية تدخل في تصنيع أو إنتاج محلي . وساهمت مثل هذه الاختلالات في تشجيع مظاهر التهرب والغش الجبائي وتخفيض القيمة المعلن عنها أو المصرح بها، وعدة مظاهر أخرى، إلى جانب التوجه إلى استيراد المادة النهائية بعيدا عن مشاكل الاستثمار الذي يواجه أصلا عدة عقبات ومشاكل ميدانيا.