سينتهي الموسم الدراسي بشكل رسمي بعد بضعة أيام، وإن انتهى منذ مدّة لدى الكثير من تلامذتنا. بعض الثانويات لا تستقبل من تلاميذ الأقسام النهائية إلا القليل، لأنّ ظاهرة مغادرتهم لمقاعد الدراسة في الثلاثي الثالث- بعد أن ضمنوا المشاركة في امتحان شهادة البكالوريا- أصبحت متفشيّة، والبعض الآخر يفضّل الدروس الخصوصية عن النظامية. أتذكر في السبعينيات حينما فضّل بعض زملائنا الانتقال لمتوسطة تابعة للتعليم الأصلي والشؤون الدينيّة (دون المرور على المسابقة) بعدما سجلوا أنفسهم للمشاركة في امتحان الدخول للسنة الأولى متوسط كيف حذف السيّد مفتش المقاطعة أسماءهم من قائمة المترشحين، ولم يتمّ استدراك الوضعيّة سوى بعد إلحاح واعتذار الأولياء مع قبول الرجوع للمدرسة ثانية وإتمام البرنامج لآخر يوم.. ذاك زمن الانضباط والصرامة. عمليّة حسابية بسيطة تؤكد بأنّ الحديث عن موسم دراسي لم يعد صحيحا، بل الأجدر أن نسميه ثلاثيا دراسيا.. تابعوا معي لتكتشفوا حجم الكارثة: تبدأ الدراسة الفعليّة أو بدأت شهر أكتوبر لأنّ سبتمبر يضيع في التسجيلات وحصص التعارف والمراجعة.. وتنتهي منتصف ماي لأنّ جوان مخصص للامتحانات. وأنا أراجع اليوميّة، أجمع الأيام وأطرح منها الأعياد الوطنيّة والدوليّة والدينيّة والمناسبات كالانتخابات، والفرص كعشرين أفريل والثامن من مارس التّي لا يتوانى أبناؤنا عن استغلالها، وجدت مجموع الأيام هو مائة وثلاثين يوما، هذا دون حساب الإضرابات التّي لا يخلو منها موسم، والتّي لا تُستدرك رغم وعود الأساتذة وتطمينات الوزارة. مجموع يقابل أربعة أشهر. ثلاثي واحد وشهر من الدراسة الفعلية. مدارسنا لا تضمن سوى أربعة أشهر ونتشدق بعبارات النجاح ونتباهى بالنسب التّي لا تعني سوى مقدار استيعاب الدروس المقدمة، وهي ناتجة عن اختبارات تحصيليّة لا غير، أما المستوى فهو موضوع آخر. أمام هذا الوضع المزري تحدد وزارة التربية الدروس المرجعية لامتحان شهادة البكالوريا إلى غاية الثالث من شهر ماي، أو ما يسمى “العتبة” (؟!)، والتّي وُضعت في ضوء ما أخذ من دروس في الفصلين الأول والثاني دون الثالث، دون أن تعي بأنّها في ذلك تكرّس تقزيم الموسم وتشجع التكاسل وحتّى الرداءة، وتلبي مطالب التلاميذ الذّين همّهم الوحيد الحصول على الشهادة، فأما الحديث عن المستوى فهو مؤجل للموسم المقبل، في السنة الأولى جامعي حيث صعوبات المواصلة، إعادة السنة والمشاركة مرة ثانية في امتحان البكالوريا للظفر بالتخصص المرغوب. إنّ الهدف الأساسي للدراسة هو التعلّم والتحصيل العلمي، أما النجاح في الامتحان فما هو إلا وسيلة للانتقال للمرحلة الموالية، ألا تعلمون بأنّ الدروس متسلسلة، وأنّ الدراسة كالبنيان كلّ طوبة تكمّل التّي قبلها وتؤسس للتّي بعدها. ثمّ ماذا سنجني من بقاء التلاميذ خارج المدرسة لأكثر من ثلاثة أشهر سوى تدهور المستوى وتقطّع الوتيرة الدراسية، ناهيك عن الفراغ وما يسببه من انحراف. وفي الأخير نبحث عن أسباب تدني المستوى ونبكي على الزمن الجميل الذّي ولّى.