ليس من السّهل جمع المعارضة في مكان واحد. تجارب التسعينيات التي خاضها جمهوريون وديمقراطيون، انفلقت حياتها قبل نضح الفكرة، ثمنا لصراعات حول من يتزعم المعارضة، ومن يكون الند في حواره مع السلطة. حقق لقاء زرالدة أكثر من نجاح. كان بمثابة إعلان عن ميلاد ما يمكن وصفه بالمشروع الوطني تكون فيه السلطة طرفا كبقية الأطراف. وكان أكثر من ناجح من حيث رمزيته، جمع بين الخصوم وقارب بين الأضداد وبنى جسرا جديدا في العمل السياسي، يربط حركة التواصل وسط المعارضة، من دون النظر إلى الهوية السياسية. فأي مستوى ستدركه هذه التجربة التي نجحت في اجتياز الحواجز؟ مسؤولية الأحزاب في تأطير المجتمع ليست محل نقاش، هي مطالبة بتقديم البدائل. وطبيعة المشاركين في لقاء زرالدة تضم ”النوعية” التي يمكن للجزائر الاتكال عليها لصياغة المستقبل. يمكن أن نتوقف أمام مشاركة بعضهم في حوار وطني يحمل مثل هذا المشروع أو التشكيك في نوايا ومواقف أشخاص خذلوا المعارضة عند أول فرصة تلقوا فيها عرضا لركوب قطار الحكم. لكن ذلك لا يصغر في شيء من عمل المجموعة التي كبرت بعملها هذا. نجحت المعارضة في تخطي عقدة السلطة، ونجحت في تجاوز عقدة احتكار التمثيل. ربما اقتنعت بأن الإصرار على احتكار التمثيل يحقق خدمات للسلطة، وللسلطة فقط. لم تكن المعارضة تدعي لنفسها تقديم حل سريع التنفيذ. لم نسمع عنها ذلك. ما قرأناه من مواقف أنها ستعمل على صياغة أفكار، لتدفع بالسلطة إلى التغيير اليوم أو غدا، وهذا ما يزعج السلطة، أن تكون مجبرة لتتعامل مع قوة لا تتحكم فيها، ولا تضمن قدرتها على ترويضها، كما جرت العادة مع ”شخصيات” تملك من الماضي وظيفة ومنصبا، حصلت عليها نتيجة تحالفات، وليس عن جدارة، أو مع أحزاب رضيت بنصيب تمثيل السلطة باسم شعب لا يصوت. الصدمة الثانية، الموازية زمنيا للقاء زرالدة، هي صفعة نوعية النقاش الرسمي الدائر حول الدستور. فتحت الضغط، اعترفت السلطة بضرورة إعادة تزويق بمساحيق تتجاوب مع موضة مطالب الشباب، فجاءت ورشة دستور يعد بحريات أكثر، على أن تسحبها بالقوانين العضوية والتنظيمية. في الحقيقة السلطة لم يعد يزعجها الحديث عن تعديل الدستور. اكتشفت حلاوة استخدام التعديلات وضمتها إلى قاموسها، لتستخدمها كبقية المصطلحات التي تكفر بها. وأولها مصطلح التداول الديمقراطي على الحكم. لا تخاف تعديلا تصنعه هي. وأن تقبل بتعديل الدستور، نجدها ترفض فتح نقاش حول تعديل قانون الانتخابات. فاللعبة، كل اللعبة تكمن في هذه القضية. من يتحكم في الانتخابات، يتحكم في تحريك الصورة وفي تغييرها. يصنع برلمانا كما يشاء، يصوت به على ما يشاء، وقت ما شاء. يشكل حكومة كيفما أراد، يغير ويعوض، يكافئ ويقصي. فهذا الجمع هو مجرد صور على قناة، تتم إزاحتهم بالضغط على زر في ”التيليكوموند”. لهذا السلطة منزعجة من لمة زرالدة. وما تمثله من تجاوز لمجموعة كبيرة من الحواجز النفسية، كانت تعطل التقاء السياسيين حول بعضهم البعض. فلأول مرة يلتقون بهذا الشكل في الجزائر، وبفكرة محددة وهي ”التغيير” جديا. لم يعد المطلب من الطابوهات، ولا يعد من الموبقات السياسية. يمكن توقع نجاح السلطة في عملية استمالة بعض المعارضة الضعيفة أمام الإغراءات، وستكون إنجازاتها تلك بمثابة عملية تنظيف لبيت المعارضة من الخدم السياسي، اللاهث وراء مصلحة. إنها بداية مسيرة الحركة الوطنية من أجل التداول السلمي الديمقراطي على الحكم. طال انتظارها، لكنها تحققت. ستكون مرجعية أساسية لكل مشروع وطني يكون أساسه التشاور والحوار بين جزائريين من دون إقصاء. وإن كان قطاع واسع من الذين قاطعوا الانتخابات الأخيرة ينتظرون مبادرات ملموسة في القريب، فإن وصول المبادرة إلى أهدافها يتطلب نفسا وتصميما، أمام خصم يدعوها إلى الحوار، ويضيق عليها خناق الإدارة، عندما تريد عقد لقاء موسع، يضم أكثر من حزب.