هل يمكن أن تتفادى الجزائر الانهيار؟! قد يحمل هذا التساؤل فرضية مستبعدة من قبل البعض. ولكن ينبغي القول إن انهيار الدول أو ما يسمى في العلوم السياسية لحظات الانكسار الكبرى للدول والأنظمة الحاكمة، أمر وارد، خاصة عندما تجتمع جملة معطيات ومنها على وجه الخصوص: -احتكار السلطة والثروة من قبل مجموعة صغيرة تزداد تقلصا مع مرور السنين. -دخول السلطة حالة انسداد خانق، وخطابها يؤشر على أنها لا ترى العجز والرداءة والفساد التي وصلتها أدواتها كلها، ولا ترى أن النخب التي تعتمد عليها صارت لا تملك رؤية وغير قادرة على إنتاجها، ولا تقدم لها إلا الولاء الغبي، ولا ترى انهيار كل قدرة على تطبيق أي برنامج مهما كان وفي كل المجالات. -احتقار الرسائل الواردة من المجتمع بالاحتجاج الاجتماعي أو السياسي وتجاهلها والاعتقاد الخاطئ أن أدوات السلطة الأمنية والمالية قادرة لوحدها على ”شراء” السلم والاستقرار أو فرضه. الآراء مختلفة حول إمكانية تفادي هذا الانهيار. نعم لقد رأينا توافقا سياسيا يعبر عن نفسه بوضوح، حتى وإن وجد تنوعا في تصور منهجية الحل أو آلياته. فهناك الكثير ممن لم يعد يثق في السلطة وفي استعدادها لأي تغيير لا يكون مفروضا عليها. ويرى أنها بلغت وضعا لم تعد فيه قادرة على الخروج من دوامتها ومن منطقها ومن ضغوط مجموعات الولاء والمصالح، ويعتقد أن البداية لا بد أن تكون من الصفر، وأن على السلطة القائمة أن تنسحب كلية، وعلى الجيش أن يترك الساحة السياسية، وينبغي إقامة ”سلطة انتقالية” لفترة انتقالية. ولكن هناك من كان أقل تشاؤما في رؤية إمكانية للذهاب إلى تغيير وصفه بالآمن. نعم رأت أطراف كثيرة أحزاب وشخصيات، ومنهم بالخصوص رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، أن التوافق السياسي ينبغي أن يكون مع كل القوى والأطراف، قناعات ومصالح، بما في ذلك السلطة القائمة، وعلى الجيش أن يكون مشاركا وضامنا للتوافق وللتحول ومرافقا له ولتجسيده. لقد أجمع جل الحاضرين على أن التغيير ضرورة ملحة وعاجلة، وعلى أن التوافق السياسي هو الطريق الآمن للتغيير وللتحول السياسي من دولة السلطة إلى دولة المؤسسات ومن دولة التسلط إلى دولة الحرية ومن دولة المجموعات والعصب إلى دولة المواطنين. في كل هذا الجدل المحمود ينبغي تمثل الدروس من أوضاع الكثير من البلدان العربية وما ينبغي عمله من أجل تفاديه. وينبغي الاستفادة من دروس التغيير والتحول والانتقال خاصة في دول حوض البحر الأبيض المتوسط. فليس بعيدا عنا، مع اختلاف معطيات كثيرة ثقافية وسياسية وإقليمية، دروس التحول في إسبانيا والبرتغال واليونان وتركيا. إن المنهجيات التي اعتمدت هي التي تهمنا. لقد كانت تحولات قائمة على التوافق، بل وكان للجيوش فيها دور هام وربما أساسي. ولكن درسها الأهم هو قبول السلطة والجيوش التغيير والتوافق مع المعارضة والتوافق بين كل المصالح من أجل المصلحة العامة. ونتائجها كانت باهرة وهي واضحة أمامنا. البلاد في حاجة عاجلة لانطلاقة أخرى وفي حاجة لعمل جماعي سياسي ووطني من أجل تحرير كل الطاقات، ومن أجل وضع قواعد التحول والانتقال ومن أجل إحداث توافق على منهجية وعلى آلية للتغيير ومنع الانهيار. لقد لاح بصيص أمل، وهو ما يعني أن التغيير الآمن ممكن إن غُلِّبت المصلحة العامة وإن تم كبح جماح المصالح وشهوات السلطة. لقد أعطت ندوة زرالدة في وقت كانت أيدينا على قلوبنا خوفا من أن تتفجر أو تفجّر شياطين الجهوية بل والطائفية، أعطت صورة عن جزائر موحدة، بل جزائر تدمج حتى أولئك الذين أخطؤوا، جزائر تستطيع أن تلتقي من غير سلطة السلطة وتستطيع أن تتحاور في أعقد الموضوعات السياسية، أي الدولة، وإعادة بناء مؤسساتها ودستورها وسلطتها. وأظهرت الندوة أن الجزائريين يمكنهم أن يعيشوا هويتهم الموحدة على تنوعها، بل وأن ينقذوا مشروع نوفمبر ومثله واستكمال ما لم يجسد منه، أي بناء دولة الجزائريين، وأن تلك الصورة التي انبثقت من هذا اللقاء أكدت أن الجزائر على اختلاف مشارب أبنائها همها واحد هو التغيير والتوافق السياسي على هذا التغيير. لهذا فإن تفادي الانهيار يظهر منطقيا ممكنا إلا إذا طغت شهوة السلطة وشبق المصالح. [email protected]