هل كان الموقف الرسمي للجزائر من العدوان الإسرائيلي على غزة ضحية ”تعتيم إعلامي”، مثلما قالت زعيمة حزب العمال في دفاعها عنه؟ أم أنه موقف لم يكن في المستوى الذي يجعله محل احتضان من قبل المعارضة والموالاة على حد سواء؟ باستثناء حزب العمال الذي خرج عن القاعدة، فإن موقف الجزائر من العدوان الإسرائيلي على غزة الذي صدر في 3 بيانات متتالية، لم يثلج سوى صدر أحزاب الموالاة على غرار التجمع الوطني الديمقراطي والأفالان وحزب ”تاج”، فيما وصفته أحزاب المعارضة خصوصا من التيار الإسلامي بأنه ”باهت” وبعيد عن مقولة الراحل هواري بومدين ”نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”. وضمن هذا السياق قال الأرندي إن ”موقف الجزائر الرسمي يعكس نبض الشعب الجزائري وهو مصدر ارتياح”. وفي نفس النهج سار حزب أمل تجمع الجزائر ”تاج” ورئيسه عمار غول الذي ثمن الموقف الرسمي والثابت للدولة الجزائرية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة ما قال ”الرسالة القوية والمعبرة للجزائر إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمناسبة زيارته الأخيرة للشرق الأوسط”. ورفعت زعيمة حزب العمال سقف الإشادة عاليا، بحيث أكدت أنها ”لا تستحي بالموقف الرسمي الجزائري من تصاعد الأحداث الدموية بقطاع غزة”، وقالت إنه ”الموقف الذي عودتنا عليه الجزائر في قضايا استعمارية، وقد ظلت وفية للقضية الفلسطينية”. لكن المراقبين يرون أن الفتور لازم الموقف الجزائري مثلما لازم العلاقات مع السلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث لم يزر الجزائر منذ 8 سنوات أي مسؤول رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية، حسب تصريح للسفير الجزائري السابق عبد العزيز رحابي، وهو ما يعكس ضعف تفاعل الخارجية الجزائرية وحالة الفتور التي يتهم بها اليوم موقف الخارجية الجزائرية من العدوان على غزة، والذي انعكس سلبا على مستوى الشارع، بحيث ظلت المسيرات الشعبية التضامنية حبيسة ”المنع” الإداري، ما جعل المجتمع المدني رهينة للموقف الرسمي. موقف الجزائر صدر بمجرد بداية العدوان، بحيث أدانت الخارجية في بيان لها الاعتداء الإسرائيلي، ودعت المجتمع الدولي للتدخل من أجل وقف المجازر التي ترتكب يوميا في حقه، والتي تعد انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية والقانون الإنساني الدولي، ليعقبه رسالة أخرى بعثها وزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى الأمين العام الأممي بمناسبة تنقله إلى منطقة الشرق الأوسط، دعاه فيها إلى التحرك السريع لوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة، مؤكدا ضرورة استئناف المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. حنون التي تصدرت الصف الأول للدفاع عن موقف الجزائر تجاه غزة، وقالت إنه ”أفضل من مواقف كل الدول العربية”، وبررت فتوره ”بكون الإعلام الدولي مارس عليه التعتيم”، لكن ما تؤاخذ عليه السلطات الجزائرية، مثلما جاء على لسان منتقدي موقفها من غزة، أنها لم تقم بواجبها تجاه القضية الفلسطينية ولم توظف قدراتها الدبلوماسية كما يجب لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو أمر ليس بالوسع تحقيقه في الوضع الحالي الذي تعيشه جامعة الدول العربية التي توجد أهم الدول الأعضاء فيها والمؤثرة في قراراتها في أزمات داخلية خانقة، ابتداء من سوريا ومصر والعراق والسودان مقابل انشغال دول الخليج بحروب الخلافة الداخلية. ويكون توجه الجزائر مباشرة إلى الأمين العام الأممي بان كيمون بعيدا عن المبادرات العربية التي طرحتها مصر وقطر، على خلفية هذه الوضعية التي جعلت الفلسطينيين قبل كل شيء ضحايا تشرذم البيت العربي. دعت لإزالة الحظر عن المسيرات لدعم غزة المعارضة الإسلامية تنتقد موقف السلطة وتطالب برفع سقف الدعم أفرز موقف الجزائر من الحاصل بغزة موقفين متناقضين تناقض الموالاة والمعارضة، فأحزاب الموالاة تعتبره ”مشرفا” قياسا بمواقف ساقتها الأنظمة العربية كرد فعل على العدوان الإسرائيلي على غزة، بينما لم تر أحزاب المعارضة من الحكومة موقفا مشرفا يحاكي المسار المشهود للدعم الجزائريلفلسطين منذ أيام الراحل هواري بومدين. من البداية لم يكن موقف الحكومة الجزائرية المندد بالعدوان الصهيوني على غزة ودعوتها المجتمع الدولي التدخل لإيقاف إبادة الفلسطينيين ذا صيت دولي، ولم يكن محل تداول إعلامي يعيد للجزائر الداعمة لفلسطين بريق مساندة طالما تحدث عنه أرشيف العرب، بداية من مصر، وتهاوى هذا الموقف بين تجاذبات دولية وهرج دبلوماسي انفردت به الدول العظمى المستحوذة على مفاتيح إما الحل وإما التعفين أكثر، وفي كلتا الحالتين لن يكون الأمر في صالح الفلسطينيين، لكن الموقف الجزائري لم يكن ليمر دون تزكية ودعم أحزاب موالاة أغلبها استنسخ عبارات من موقف عبر عنه وزير الخارجية رمطان لعمامرة، لتصوغه في بياناتها التنديدية (العدوان الغاشم، حرب الإبادة، تدخل المجتمع الدولي..إلخ). وإذا كانت أحزاب الموالاة لا تملك إلا التزكية، فإن المعارضة وبالأخص الإسلامية المنضوية تحت لواء تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، لم تر في موقف الجزائر ”حفظا لماء الوجه”، واعتبرته مخطوطا سيدون تاريخيا ضمن أنظمة عربية سحبت يوما القضية الفلسطينية من أجنداتها، وأغلبها (الأنظمة العربية) يتفتت بوتيرة متسارعة، حتى أن شعار ”الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” الذي أطلقه ذات مرة الرئيس بومدين، لم يعد محل تداول عريض مثلما كان في السابق، بل إنه من جانب الحكومة، صار الشعار الذي تستند إليه عندما تتعرض لانتقادات المعارضة القول إن ”موقف الجزائر ثابت من القضية الفلسطينية”، لكن الجزائريين يحتاجون إلى أن يعبر عن هذا الموقف بوضوح، وهذا ما لم يلمسه رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري الذي دعا الحكومة إلى ”اتخاذ موقف واضح وصريح” وعدم الاكتفاء بذلك، بل التحرك لوقف العدوان الصهيوني. عادة، الأحزاب الإسلامية في الجزائر هي من يندفع أولا للتنديد والاستنكار بما يتعرض له الفلسطينيون من عدوان، ولم يذكر أنها أيدت يوما موقف الجزائر حيال القضية الفلسطينية تأييدا كاملا، وهذه المرة تحولت القضية الفلسطينية إلى ”قضية وطنية” يرفع لأجلها مطلب رفع الحظر عن المسيرات بالعاصمة، و ”أطفال غزة” وحدهم من كسر جمود المسيرات منذ منعها عام 2001، لكن الأمر بنظر المعارضة يحتاج إلى قرار رفع حظر لا يرتبط رأسا بغزة ولكن بالداخل الجزائري الذي يشهد حراكا سياسيا مرشحا للتصاعد بعد عيد الفطر أو الدخول الاجتماعي المقبل. يهم الأحزاب الإسلامية بالجزائر رفع درجة الدعم الجزائريلغزة،خارج مسألة ”الإعانات الإنسانية” وخارج تساؤلات جزائرية ما بعد الفطور في رمضان، حول ماذا تخشى الجزائر إن ضغطت على مصر بالغاز من أجل فتح معبر رفح؟ ألم يكن السيسي هنا طلبا للمساعدة؟ إذاً المساعدة مقابل رفح. والإسلاميون بالجزائر يريدونه هكذا دعما مشهودا وملموسا، لا مبطنا في غلاف تعبر عنه الدبلوماسية الجزائرية دوما بالقول ”إننا نعمل في الخفاء”. الجزائر: محمد شراق على النقيض رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري ل ”الخبر” ”قبول الجزائر بالمبادرة المصرية خيانة” لماذا وصفتم الموقف الجزائري مما يجري في غزة بالباهت؟ الباهت في اللغة هو غير الواضح وغير المبين. وهذا ما يتصف به الموقف الجزائري الذي لا يتناسب مع تقاليد دولة بحجم وتاريخ الجزائر. فمن غير المعقول أن تكون الجزائر غير معنية بما يجري لإخواننا في غزة. وليس جائزا أن تترك الجزائر القضية الفلسطينية بين يدي مصر والإمارات الدولتين المتواطئتين. ثم ما سر هذه العلاقة الحميمة بين السيسي وبين الجزائر؟ أليس مستغربا هذا التحالف المريب؟ عهدنا الجزائر في السابق حساسة في تعاملاتها مع الدول العربية وكانت تميل إلى التعاون مع فرنسا، وعندما أرادت تقوية علاقاتها مع العرب اتجهت إلى الدول المتواطئة! وإذا كان السيسي قد صار حليفهم (السلطة) فليطلبوا منه على الأقل ترك المساعدات الإنسانية تمر. نحن لدينا 25 طبيبا جراحا مستعدون للذهاب فورا إلى غزة لكن السلطات المصرية ترفض الترخيص لهم. ما هي معالم هذا التراجع الذي تتحدثون عنه في موقف الجزائر إزاء القضية الفلسطينية؟ التراجع في الموقف الجزائري ليس وليد اليوم وإنما يرجع لسنوات مضت. ما نشهده حاليا هو تسارع في تغير توجهات الدبلوماسية الجزائرية بعد الرئاسيات. كان الراحل عبد الحميد مهري يقول إن النظام الجزائري ليس مطلوبا منه التطبيع مع إسرائيل، وإنما أن يترك الملف في يد مصر. ما يجري أدهى مما توقعه مهري، فالنظام الجزائري صار يقاد من قبل مصر والسعودية، إذ كيف يمكن لهذا النظام أن يقبل بالمبادرة المصرية التي تريد من المقاومة تسليم سلاحها؟ هذه مبادرة تدخل في دائرة الخيانات الكبرى، ومن العار أن يقرأ أولادنا وأحفادنا تاريخهم فيجدوا أن بلادهم التي دحضت الاستعمار بثورة مسلحة عظيمة تقبل بعد ذلك بمبادرة تريد تصفية المقاومة الفلسطينية. ما الذي كان في مقدور الجزائر فعله ولم تفعله؟ كان يجب على الجزائر ألا تقبل المبادرة المصرية. كان حريا بها أن تتخذ موقفا مشرفا كالذي كان في عدوان 2008 لما شاركت في اجتماع الجامعة العربية في قطر. كان عليها أن تحرك آلتها الدبلوماسية بقوة وفاعلية خدمة للقضية الفلسطينية، فالجزائر ليست بلدا هينا، هي أرض الثورة والجهاد. كان على الجزائر أن تسمح بالمسيرات المساندة لغزةوفلسطين وتترك للجزائريين التعبير عن غضبهم ومساندتهم لإخوانهم بدل كبتهم. كان على الجزائر أن تتخذ موقفا واضحا خاليا من اللبس. كان على رئيس الجمهورية أن يتكلم ويبرز صوت الجزائر في الدفاع عن فلسطين. لماذا تكلم لما جاء وزير الخارجية الإسباني (أثناء الحملة الانتخابية) ويعزف الآن عن الكلام؟ أضعف الإيمان أن يتكلم الوزير الأول لكنه لم يفعل. فلسطين لا تستحق منا مجرد بيانات ورقية من وزارة الخارجية. الدبلوماسية لا تعرف التحفظ في هذه المسائل. وعلى الجميع أن يعي أن المقاومة إذا سقطت فالأمة كلها ستسقط. الجزائر طول مسارها كانت مساندة للحركات التحررية في العالم فلماذا التحفظ الآن في القضية التي نعتبرها مركزية؟ الجزائر: حاوره محمد سيدمو عضو المكتب السياسي المكلف بالإعلام بالأفالان السعيد بوحجة ل ”الخبر” ”موقف الجزائر من فلسطين لا يزال ثابتا لكن التكتيك تغير” كيف تقيمون الموقف الجزائري من العدوان الجاري على غزة؟ الموقف الجزائري مما يجري في فلسطين مشرف لحد الآن، وخير دليل على ذلك هو قصف المستشفى الجزائريبغزة، ما يعني أن الجزائر حاضرة بقوة في دعم إخوانها الذين يتعرضون للعدوان. ومن الحكمة في اعتقادي ألا تعلن الجزائر عن المساعدات التي تقدمها حتى تصل إلى مستحقيها ما دام القصف يطال حتى المساعدات الإنسانية. إن وقوفنا إلى جانب إخواننا في غزة لا يمنعنا أن نكون أذكياء وحذرين، فما ينبغي أن نزكيه هو المقاومة وليس حماس حتى نكون موضوعيين ونتجنب كل ما يمس وحدة الشعب الفلسطيني. لأن التركيز على حماس يصب من حيث لا ندري في صالح اليهود الذين يريدون أن يظهروا للعالم أنهم يواجهون حماس وليس السلطة السياسية في فلسطين. لوحظ تقارب كبير بين الجزائر ومصر التي يعتبر البعض موقفها ”متخاذلا” من الأحداث في غزة. ما رأيكم؟ نحن لدينا الثقة في الدولة المصرية، ولا بد من التعاون معها حتى نستطيع مساعدة أشقائنا في فلسطين. ليس من مصلحتنا استعداء مصر لأن لدينا معركة مشتركة للتصدي للإرهاب في ليبيا. مصر دولة لديها مؤسسات قوية وبإمكاننا أن نقيم جهود وساطة معها لإيقاف العدوان على غزة. المقاومة الفلسطينية بحد ذاتها لا يمكنها أن تستغني عن محيطها الواسع المطل على مصر وسوريا والأردن ولبنان، ولا بد لها أن تتعامل بأسلوب واع مع هذا المحيط حتى تحافظ على الروح القتالية. مصر تعد ممرا إجباريا للوصول إلى غزة، ولا يمكن تجاوزها حتى تكون جهودنا في الإعانة والإغاثة ملموسة. هل لاحظتم تغيرا في تعاطي الدبلوماسية الجزائرية مع القضية الفلسطينية بالمقارنة مع ما كان معروفا عنها في أوج سنوات الصراع العربي الإسرائيلي؟ صحيح أن هناك تغيرا لكنه في التكتيك فقط وليس الاستراتيجية التي تبقى ثابتة في موقفها من فلسطين. واقع العالم العربي أصبح يفرض ذلك بالنظر إلى حالة التخبط التي تعيشها أغلب الدول العربية. هذه المعطيات تحتم علينا التعامل بذكاء، فالدول العربية لم يعد بإمكانها أن تكون في موقف هجومي. في وقت بومدين كانت الجبهة الداخلية في الجزائر متماسكة، فالشعب والقيادة والحزب يسيرون جنبا إلى جنبا. وكان المواطنون متحمسين للتطوع والمشاركة في الحروب التي كانت تخوضها الدول العربية ضد إسرائيل. أما اليوم فقد اختلفت الأمور، أصبح كل تيار يخدم توجهه، وهناك حتى من يتاجر بقضية فلسطين من أجل مصالحه. الدولة الجزائرية أولويتها الآن هي حماية الدار ثم اتباع كافة السبل التي تتيح مناصرة الإخوة في فلسطين. لهذا لا بد على التشكيلات السياسية أن تكون واعية إسلامية كانت أو غير ذلك، في أن تعلم أن لدينا مقاومة واحدة اسمها فلسطين، وأن لدينا عدوا واحدا هو إسرائيل. الجزائر: حاوره محمد سيدمو