لا تزال أزقة حي القبة وشارع طرابلس بحسين داي تذكر الجريمة بتفاصيلها، وليد في عمر الزهور أطفئت شمعته مبكرا دون ذنب، وعلى يد من؟ شقيقة والده التي لطالما اعتبرها بمثابة “أم له”..”الخبر” عادت إلى تفاصيل الجريمة. أين وليد؟ في ذلك اليوم التحق وليد مساء كالعادة بمدرسته “مليكة خرشي” بالقبة على أن يغادرها في الثالثة والنصف بعد الظهر، دقت الساعة الرابعة إلا ربع، الرابعة ثم الخامسة، إلا أن وليد لم يعد، قلب الأم حدّثها أن مكروها أصاب ابنها الذي يفترض أن يستغرق مشواره إلى المدرسة ربع ساعة لا أكثر. قلب الأم دليلها.. حاولت أن تبعد عنها الوساوس، ففكرت أنه ربما تأخر بسبب برمجة حصة استدراكية مفاجئة.. ذهبت لتتأكد من زميلة وليد التي تسكن بجوارهم، لينزل جواب الطفلة كالصاعقة على قلب الأم التي تجمد الدم في عروقها.. جميع زملاء وليد غادروا المدرسة في التوقيت المعتاد، ووليد كان بينهم.. ومن هنا بدأ الكابوس، أين ذهب وليد؟ مرت الساعات ثقالا على عائلة الطفل، انتشر خبر اختفائه بسرعة البرق لدى عائلته الكبيرة وجيرانه، وفي ظرف ساعات قليلة كان البيت العائلي ممتلئا عن آخره بأفراد العائلة والمقربين الذين التحقوا بالبيت لمؤازرة العائلة ومساعدتها في البحث عن الطفل، في غياب والده الذي كان متواجدا خارج العاصمة لمتابعة بعض أعمال شركته الخاصة. هل اختطف من أجل الفدية؟ الكل تجند، الشرطة التي أبلغت بالاختفاء، أفراد العائلة، الجيران، المعارف، الكل يبحث في كل مكان وأي مكان علهم يجدون الطفل، فربما ذهب للعب في مكان ما وتاه، أو ربما أراد أن يشتري شيئا ولم يجد طريق العودة على الدار، وربما وربما.. قبل أن تتحول الشكوك إلى التأكد من تعرضه لعملية اختطاف من قبل مجهولين بنية طلب فدية من والده بحكم أنه رجل أعمال. بعض من كانوا متواجدين قرب المدرسة عند مغادرة وليد أكدوا أنهم لمحوا سيارة بيضاء نزل منها شاب طويل القامة، اقتاد الطفل عنوة إلى داخلها وغادرها مسرعا. آخر قال إن السيارة كان على متنها 4 أشخاص، وقال أيضا إن وليد ركب السيارة بمحض إرادته ودون أن يجبره أحد، وبالتالي رجحت عائلته أنه غادر مع شخص يعرفه. انتظرت العائلة أي اتصال من المختطفين علهم يطلبون فدية ويطلقون سراح الطفل لتقر عين أمه التي كانت تنتظره على نار. دموع الحرقة لم تطفئ لهيب شوقها لحبيبها وليد، ولو أن غيابه مضى عليه ساعات فقط. فهل أكل؟ وهل نام؟ خاصة أن الصغير يعاني من صعوبة في التنفس. مضى الليل طويلا ولا نبأ، وأقبل الصبح لتبدأ رحلة بحث جديدة، قبل أن تصل الشرطة حاملة النبأ الأليم، عثرنا على وليد، لكن... قلبه لم يعد ينبض. آلو..وليد هنا قبل وقت قصير من إعلان العثور على جثة وليد، تلقى عم الضحية وهو في بيت شقيقه الأكبر يشارك في عملية البحث عن ابنه، مكالمة هاتفية من زوج شقيقته عمة وليد.. تغيّر وجه العم، احمرت وجنتاه ثم اصفرَّ.. تجمد الدم في عروقه وغادر مسرعا إلى شارع طرابلس بحسين داي مقر بيت شقيقته. وهناك كان الرجل على موعد مع الفاجعة، يخبره صهره أن جثة وليد في حقيبة في إحدى غرف البيت، مؤكدا له أن زوجته من قامت بكتم أنفاسه.. يتردد عم وليد في إخبار عائلته بهذه المصيبة.. وليد قتل، وعلى يد من؟ عمته، شقيقة والده؟! يتريث قبل أن يقرر إخبار الشرطة لتتكفل بالمهمة وتباشر التحقيق مثلما تقتضيه القوانين. لحظات بعدها يصل المحققون إلى البيت، يشير عمه إلى حقيبة في إحدى الغرف، يفتحها المحققون ليجدوا جثة الطفل مكبلة اليدين والرجلين، وشريطا لاصقا على عينيه وفمه. هل الجانية مصابة بمرض نفسي؟ ذكرت مصادر من عائلة الضحية والجانية أن هذه الأخيرة تعاني من مشاكل نفسية أثرت في سلوكها ودفعتها إلى ارتكاب جريمتها، وراجت أحاديث عن محاولتها سابقا إنهاء حياتها بشرب سم الفئران، كما حاولت قبل أن تنهي حياة ابن شقيقها إنهاء حياة ابنتها. “نعم قتلتُه.. ووالده المسؤول” تسارعت الأحداث، تم توقيف العمة القاتلة وزوجها، وهي شابة في العشرينات من عمرها وأم لطفلتين، كما تم توقيف سائق سيارة “كلونديستان” تبين أنه هو من رافقها إلى مدرسة وليد لأخذ الطفل. وعكس التوقعات، لم تنتظر الجانية كثيرا لتروي تفاصيل جريمتها تلك في حق طفل في عمر الزهور يحمل دمها. قالت إنها نفذت جريمتها انتقاما من شقيقها رجل الأعمال الذي لم يراع يوما مشاعرها على حد وصفها، ولم يستشرها حتى عندما قام بتزويجها، وبأنه لم يعطها حقها من ثروة العائلة، فوجدت في إزهاق روح فلذة كبده أكبر انتقام لإطفاء نار حقدها. تقتله ثم تصبّر وتواسي أمه ينطبق المثل القائل “يقتل القتيل ويمشي في جنازته” على حيثيات الجريمة. فالعمة القاتلة التي أزهقت روح ابن شقيقها ببرودة دم كانت من بين أول الواصلين إلى بيت شقيقها للشد من أزر عائلته، وذرفت دموع التماسيح وهي تحتضن ابنتيها اللتين أكدت مرارا أنها تحب وليد مثل محبتهما.. وفي هذه الأثناء كان وليد جثة هامدة في بيتها. هكذا قتَلته استقلت القاتلة “ر.ق” سيارة كلونديستان إلى مدرسة “مليكة خرشي”، انتظرت خروج وليد من المدرسة، فرح الطفل عندما رأى عمته، ظن أنها ستأخذه إلى بيتها ليلعب مع بنتي عمته مثلما تعوّد. وصلا إلى البيت، فبدأت العمة في تنفيذ مخططها، طلبت من ابنتها التي تكبر وليد بسنتين أن تلزم غرفتها، أخبرت الطفل أنها ستلعب معه قبل أن تبدأ في تقييده، لم يستسغ الطفل اللعبة فطلب منها أن تفك قيده، غير أنها واصلت تنفيذ تفاصيل السيناريو الذي رسمته بدقة، أسكتت صوته بشريط لاصق وضعته على فمه، ثم عينه.. وغير بعيد عنها كانت ابنتها تسترق النظر لما يحدث.. ظنت أن أمها تلاعب الطفل وليد، لكنها اكتشفت الحقيقة وهي ترى والدتها تضع الطفل داخل كيس وجسده الصغير يتخبط. أجهشت الطفلة بالبكاء.. “ماما اتركيه.. ماما ماذا تفعلين؟ سيموت”، تلتفت الجانية إلى ابنتها وتصرخ في وجهها بأن تصمت، تهدأ حركة الجسد الصغير، تضعه في حقيبة، فقد أنهت مهمتها. تلتفت إلى ابنتها وتهددها بأن لا تخبر أحدا بما شاهدت عيناها، لكن عين الله التي لا تنام كانت شاهدة على الجريمة. وليد يشيع في جو مهيب بكت مدينة القبة وليد في ذلك اليوم الحزين الذي غادر فيها جسده بيته العائلي ليرقد بسلام في مقبرة ڤريدي في القبة، جفت دموع والدته التي لم تع ما يحدث حولها، وبأن صغيرها أصبح طيرا من طيور الجنة، بكاه والده الذي لم تشبع عيناه منه، وهو الذي حدثه أياما قبل موته وطلب منه العودة لأنه اشتاق إليه، وبكى الزملاء في القسم التلميذ النجيب الهادئ المفعم بالحياة. كانت جنازة مهيبة، المشيعون قدموا من كل مكان دون أن تجمعهم معرفة بعائلة الصغير، لكن قصته أدمت قلوبهم فأبوا إلا أن يقاسموا العائلة حزنها.