لاتزال قضايا الأرض المتنازع عليها بين الأقارب و”لعروش” تصنع الحدث، وتتصدر قضايا محاكم ڤالمة، لأسباب تبدو للكثير أنها تافهة مثلما هو الحال بالنسبة للقضية التي بين أيدينا اليوم، حيث كانت بقرات سببا في جريمة قتل بشعة لايزال سكان بلدية حمام النبائل يتداولونها بكثير من الأسى والحزن. تعتبر جريمة القتل التي وقعت بمشتة “الشقة” ببلدية حمام النبائل، والتي تعرض لها الضحية على يد ابن عمه، واقعة متفردة تعبّر بجلاء عن واقع المنطقة الواقعة على بعد 50 كلم شرق عاصمة ولاية ڤالمة من حيث سيادة عقلية “العروشية” بها، حيث تتكون من 72 مشتة مشكّلة مجتمعة ثلاثة عروش وهي صفاحلي، المشاعلة والنبائل، مؤكدة على أن قضايا الاعتداء التي تنشب ولا تهدأ بين سكان العروش في عدة مناطق لا تتوقف إلا على وقع جريمة ضرب أو جرح، أو قتل عمدي مع سبق الإصرار والترصد، كما هو في قضية الحال التي علقت مسؤوليتها على بقرة والدم الجزائري الحامي! تعود حيثيات الواقعة إلى تاريخ 18 جوان الماضي، حيث تلقت فرقة الدرك ببلدية حمام النبائل مكالمة هاتفية من طرف مواطن ساكن بمشتة “عين الشقة”، تفيد بوقوع جريمة قتل راح ضحيتها شاب يبلغ من العمر 35 سنة، بعد أن تلقى ضربة بواسطة آلة حادة “سيف” من قبل ابن عمه أودت بحياته في مكان الحادث، وهذه المكالمة استدعت تخصيص فرقة تنقلت إلى موقع الحادث، حيث عثر على الضحية ملقى على حافة الطريق الترابي المؤدي إلى المشتة، وتظهر عليه آثار جروح عميقة بمؤخرة الرأس من الجهة اليسرى وراء الأذن. وأفادت والدة الضحية عند استجوابها بأنها أم لسبعة أبناء، واحد منهم الضحية الذي لفظ أنفاسه في ظروف مأساوية للغاية، حيث ذكرت أنه في يوم الحادث الذي أفقدها فلذة كبدها والذي هو أب لطفلة ولا يعمل، وعند عودته من مشتة “الرحيبة” بنفس البلدية شاهد أبقار المشتبه فيه داخل أرضه التي هي عبارة عن “عطيل” أو مساحة بها أعشاب طويلة، فتوجه نحوها وقام بإخراجها من الأرض، وهنا تقدم المشتبه فيه نحوه وبيده سيف حاد، وبعد دخولهما في مناوشات كلامية حول ملكية الأرض وجّه له ضربة مباشرة بواسطة “السيف”، هذه الأداة المصنوعة من مادة الحديد قدرت محاضر رسمية طولها ب1 متر، ضرب بها المتهم الضحية على الرأس ولاذ بالفرار باتجاه مسكن والدته، وتركه يواجه مصيره والدماء تسيل من رأسه. حاول الضحية الخروج للطريق العام لطلب النجدة، وبين سقوط ونهوض حاول التشبث بالحياة حتى وصل إلى الطريق الترابي فلم يستطع مواصلة السير وسقط متأثرا بجروحه البليغة مفارقا الحياة على يد ابن عمه، وبسبب أبقار طلبت المرعى. نصح العقلاء لم ينفع وذكرت مصادر من البلدية أن بعض العقلاء تدخلوا في بادئ الأمر وقاموا بفض الشجار الذي نشب بين أبناء العم، قبل أن يتوسع ويأخذ منعرجا خطيرا، لكن المشتبه فيه بيّت نية ولم يستطع تجاوز حالة الغضب التي اعترته، فعاد لمسكنه وقد صرح عند استجوابه بذلك، حيث قال إنه ترك ابن أخيه مع الأبقار وعاد للمنزل لمدة قصيرة ثم عاد، حسب زعمه، لجلب الأبقار، لكنه وحسب الشهود عاد ومعه سيف عازما على الانتقام من شقيق الضحية الذي اعتدى عليه بالضرب، ولكن الصدف تشاء غير النية التي بيّتها المعني، حيث وقبل أن يصل إلى المكان الذي ترك فيه الأبقار صادف الضحية ودخل معه في شجار، ودون سابق إنذار وجّه له ضربة على مستوى الرأس كانت كافية لقتله. وتفيد المعلومات بأن سبب الجريمة كانت مناوشات كلامية بدأت بين شقيق الضحية والمشتبه فيه حول دخول أبقار هذا الأخير أرضا ملكا لعائلة الضحية، فكانت بمثابة “القطرة التي أفاضت الكأس”، ترجمت أحقادا متراكمة بين المتنازعين على ملكية وحدود الأرض، المدفونة بصدورهم لسنوات، ووجدت في يوم الواقعة المشؤوم فرصة لأن تطفو على السطح من جديد، وتتسبب في زهق روح وتشريد عائلة والزج بشخص في السجن. كمين للإيقاع بالمشتبه فيه منذ تاريخ الحادث وعناصر الدرك في حالة استنفار لإلقاء القبض على المشتبه فيه، وبين منزل والدته وبعض أقاربه لم تنقطع عمليات البحث والاستعلام والترصد له تبعا للمعلومات التي تردها من عيونها، وما أخّر العملية هو عدم توفر المعني على هاتف نقال، حيث كان ذلك سيساعد في تحديد مكانه ومتابعة اتصالاته بشكل مستمر. وحسب المعلومات فإن المشتبه فيه فرٌ في بداية الأمر نحو غابة “بوعيشون” المجاورة لمسكنه، وهو ما استدعى من عناصر الدرك تمشيطها رفقة عناصر فصيلة الأمن والتدخل، غير أنه لم يتم العثور على المشتبه فيه بسبب كثافة الغابة وحلول الظلام. كما قام عناصر الدرك بنصب كمين للمشتبه فيه بمساعدة بعض أقاربه والأهالي، وهي الخطوة التي مكنتهم من توقيفه بعد أكثر من عشرين يوما على الحادث. وتبعا للمعلومات التي تحصلت عليها الفرقة الإقليمية للدرك من أن ثمة احتمال تقدم المعني إلى منزل والدته تم الترصد له في اليوم العاشر من الشهر الجاري، وفي حدود منتصف الليل تم إلقاء القبض عليه بالطريق البلدي الرابط البلدية بمشتة “عين الشقة”.
الجاني يعترف: فررت نحو الجبل خوفا من الانتقام
الجاني في هذه القضية من مواليد شهر جويلية من العام 1977 يصغره الضحية بعامين، أعزب ومتقاعد من صفوف الجيش الوطني، ومسبوق قضائيا بقضيتي الضرب والجرح العمدي بسلاح أبيض واحدة منها ضد قاصر. وأثناء التحقيق، اعترف الجاني بأنه في أمسية الواقعة وعند تواجده بمشتة “الشقة” بصدد جمع الحشائش وكانت أبقاره ترعى بالقرب منه، تقدم منه شقيق الضحية وطلب منه إخراج الأبقار بحجة أن الأرض ملك له، وهنا دخل الطرفان في شجار تعرض خلاله الجاني لاعتداء بواسطة عصا خشبية أصيب إثرها بجروح في ذراعه الأيمن. وأضاف المعني أن ذلك جعله يغادر الموقع نحو منزله وترك ابن أخيه يرعى الأبقار، وبعد حوالي عشرين دقيقة عاد لجلب الأبقار فاعترضه الضحية وبيده “شاقور” قضيب حديدي طوله 57 سنتمترا حاول الاعتداء عليه بواسطته فأصابه بجروح خفيفة بيده، وقال إنه من المحتمل أن يكون الضحية قد أصيب جراء ذلك بجروح على مستوى الرأس، وغادر بعدها المكان نحو منزله، وبعد مرور حوالي نصف ساعة سمع بوفاة الضحية، وبسبب الخوف الذي انتابه حينها من أن تبادر عائلة الضحية بالانتقام لمقتل ابنها فرّ نحو جبل “بوعيشون” المحاذي لمسكنه.
أهل الضحية: لا بديل عن القصاص في حدود الساعة التاسعة من صبيحة يوم 13 جويلية الماضي، عرض المشتبه فيه على وكيل الجمهورية لدى محكمة بوشقوف، حيث تم تكييف الواقعة بجناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، وأصدر في حقه أمرا بإيداعه الحبس بمؤسسة إعادة التربية ببوشقوف، وقبل ذلك وبأمر من وكيل الجمهورية اعتمد عناصر فرقة الدرك لتحديد ملابسات الجريمة التي راح ضحيتها شاب من بلدية حمام النبائل على يد ابن عمه، على إجراء معاينات وفتح تحقيق معمق، كما تمت الاستعانة بخلية الشرطة التقنية التي رفعت عينات بيولوجية من على جسم الضحية تتمثل في شعرة وألياف صوفية وسائل أحمر “دم” من مسرح الجريمة، لتحليلها بالمخبر الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام، وتم نشر وتوزيع الأبحاث عن المشتبه فيه. وحتى كتابة هذه الأسطر مازال المشتبه فيه ينتظر مصيره من خلف قضبان زنزانة بوشقوف حتى عرضه على محكمة الجنايات في إحدى دوراتها، وكله أمل في أن تشفع له صلة القربى، وأن يرجع السبب لثورة الغضب التي اجتاحته في لحظة طيش، ولاستفزازه من قبل أبناء عمه، كما تنتظر عائلة الضحية وعلى رأسها الأم التي فقدت ابنها في ظروف استثنائية قصاص القضاء العادل.