قفز عدد المهاجرين السريين من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط نحو الدول الأوروبية إلى مستويات غير مسبوقة خلال الربع الأول من سنة 2014، محطما حتى الأرقام التي سجلت في سنة 2011 أثناء اضطرابات “الربيع العربي”. وفي خضم ذلك، تسجل هذه الظاهرة في الجزائر تراجعا يقدر وفق فاروق قسنطيني بحوالي 35 بالمائة، وهو ما لا يشاطره حقوقيون آخرون شككوا في حقيقة هذا الرقم. ذكرت الوكالة الأوروبية لتسيير الحدود “فرونتكس” أن عدد المهاجرين السريين القادمين من البحر المتوسط إلى إيطاليا ومالطا، ارتفع بنسبة 500 بالمائة في الأشهر السبعة لهذه السنة مقارنة بالعام الماضي. ويشكل السوريون والإيريتريون غالبية المهاجرين إلى جانب الماليين والسودانيين. وأوضحت إيزابيلا كوبر، المتحدثة باسم الوكالة، أن “ليبيا في هذه الفترة تشهد حالة من عدم الاستقرار، ساعدت على انتعاش الشبكات السرية المتخصصة في تهريب البشر”. وأضافت أن ذلك تزامن مع “وجود اضطرابات في العديد من الدول دفعت السكان إلى حالات الهروب نحو مناطق آمنة، خاصة من السوريين والإيرتيريين والصوماليين”. وسجلت فرونتكس في الفترة الممتدة من جانفي إلى جويلية 78 ألف و300 مهاجر، في مقابل 12 ألف و915 خلال نفس الفترة من السنة الماضية. وتفوق هذه الأرقام ما سجل في سنة 2011، التي أحصت 64 ألف و300 مهاجر سري. واللافت أن التقرير لم يذكر مهاجرين من الجزائر. وعلى الجهة الغربية للمتوسط، أنقذ الحرس المدني الإسباني أكثر من 900 مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء في مضيق جبل طارق، بينما حاول مئات آخرون عبور الحواجز في جيب مليلية. وقالت جمعية الصليب الأحمر التي تستقبلهم عند وصولهم إلى طريفة جنوب إسبانيا أنها أرقام غير مسبوقة. وأضاف المتحدث باسمها للإذاعة الإسبانية “لم نشهد من قبل شيئا كهذا في يوم واحد”. وبالإسقاط على الجزائر، اعتبر فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، أن “الجزائريين اقتعنوا أن الهجرة السرية ليست الحل، ما أدى إلى نقصان هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة”. ولاحظ أن “الشباب الجزائري أصبح واعيا بمخاطر الهجرة السرية ويرفض أن يواجه العنصرية التي يعاني منها المهاجرون في بعض الدول الأوروبية”. وقدر قسنطيني التراجع المسجل في عدد “الحراڤة” الجزائريين بنحو 30 إلى 35 بالمائة في هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية، مرجعا ذلك أيضا إلى تحسن الوضع المعيشي في الجزائر وتفاقم الأزمة الأوروبية التي لم تعد تجعل من بلدان الضفة الشمالية حلما للشباب الجزائري، إلى جانب السهولة النسبية في الحصول على تأشيرة قانونية للسفر إلى أوروبا مقارنة بالتشديدات التي كانت من قبل”. نظرة فاروق قسنطيني التفاؤلية لا يشاطرها نور الدين بن يسعد، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، الذي أوضح أن “عدد الحرڤة الجزائريين ما زال مستقرا ولم ينخفض عكس ما يشاع”. وأضاف أن ما “ترك الانطباع عن انخفاض العدد، هو ضعف عدد الجزائريين الحراڤة بالمقارنة مع الارتفاع الضخم لباقي الجنسيات المهاجرة خاصة من ليبيا”. واعتبر بن يسعد أن فرضية تقلص عدد المهاجرين غير الشرعيين بسبب تحسن الأوضاع المعيشية في الجزائر مستبعدة للغاية، لأن الشباب الجزائري لو تفتح أمامه الحدود سيتدفق بكثافة نحو دول أوروبا وغيرها هربا من الواقع الذي يعيشه”، مستدلا بالطوابير الكثيفة التي تشهدها مراكز منح التأشيرة في الجزائر. وأضاف بن يسعد أن السلطة في الجزائر اختارت تجريم المهاجرين غير الشرعيين، رغم عدم معقولية ذلك من الناحية الحقوقية، لكنها لم تنجح مع ذلك في الحد من الظاهرة. وأضاف أن “الأوروبيين رغم كونهم المتضررين من الهجرة لم يقوموا بتجريم المهاجرين نظرا لقوة منظمات المجتمع المدني في دولهم”. من جانبه، قال مختار بن سعيد، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، إن الهجرة السرية من أقصى الشرق الجزائري قد تقلصت في الفترة الأخيرة، نظرا لبعد المسافة مع أوروبا وتكرار تجارب مؤلمة اتعظ منها الشباب الجزائري. مبرزا أن سلوك أوروبا في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، أصبح ينفر هؤلاء عن القيام بالمغامرة، خاصة أن كثيرا منهم يتهمون حين الوصول إلى الشواطئ الأوروبية بالإرهاب أو المعاملة العنصرية.