تعود الذكرى لتقهر كل أشكال النسيان المرضي من خلال أركون نعود إلى ذواتنا دراسة وتحليلا، يضيع الشخصي، محمد أركون، لننخرط في الجماعي نحن، لذلك يُفتت أركون في مشروعه بنية الخطاب الإسلامي من لحظة حصول التثبيت فيه، وتأسُّس الحاكمية على العقول، تلك الأخيرة التي حصل فيها إهدار مضاعف لقيمة العقلاني والإنساني في التاريخ الإسلامي. لذلك ومن خلال أهم الاستنادات المرجعية في كتبه، نجده يسلط الضوء على مرحلتين شكلتا ضابطا قاهرا للعقل في الإسلام: النصوص المرجعية التي أطلق عليها نصوص السيادة العليا وهي: القرآن، السنة، قول الصحابي، والتي أصبحت آليات مراجعتها مضبوطة بنسق آلي خاضع للمراقبة وأي تجاوز يؤدي للعقاب. -مستوى الفاعل الديني أو الشخصي الذي تَثَبَّت حاكما على الخطاب نتيجة امتداد فعل القدامة واعتباره موجها قويا للخطاب من الخارج، وبعث آليات السيناريو المتكررة من الصراع بين الفرق الإسلامية. فالنصوص السيادية شكلت بنى دوغمائية / سياجا دوغمائيا ثبت الأصول التي نَمَّطت العقل في اتجاه معلوم الدلالة، من حيث شهرة المعنى الدّال على التقييد والضبط، حيث لا يجوز الخروج عن هذا الإطار المغلق للمدلول العام للعقل. ويكون في تخريجه ضِدَّ الجابري الذي قسم النظم الثقافية في الثقافة العربية إلى بيان وبرهان وعرفان، فأركون يرى أن كل الفرق الإسلامية تختزن مدلولا مرجعيا للعقل الذي ينتظمه قانون واحد. هذا الأخير الذي لم تكن له الفعالية المطلوبة لولا سلطان الشخص الديني الذي حدَّد السياج الدوغمائي العام الذي يشتغل داخله العقل، ولا يجوز له من ثمة الخروج عليه، وقد وضع على رأس الشخوص الدينية التي نمطت المفهوم ولعبت دورا خطيرا في التاريخ الإسلامي: الشافعي، حيث ضبط العقل الإسلامي ضمن سياج محدد لا يمكن الخروج عليه، في شكل سلطة ثقافية وشرعية هي اللائحة التوجيهية للعقل في ممارسة عمله، وأي انتهاك للوائح التعيينية يؤدي للعقاب، التكفير أو الإهدار الكلي، وهو آلية مرنة داخل عمل المجتمع الفقهي تحديدا، هذا العمل القاعدي الذي ضبطه الشافعي جعله حيويا بما يضمن له ديمومة زمنية فيه، فهو فوق زماني / متعال، وبالتالي فالعقل المسلم ينظر دائما للخلف إلى نموذج تم بناؤه من فوق أنموذج يُحرِّك ولا يتحرك، ومن ثم أي تحليل للعقل الإسلامي لا بد أن ينطلق من تحليل هذا الأنموذج الذي تأسس سلطة حاكمة على المجتمع المسلم، حيث تصبح الأفعال مجرد قوالب مستدعاة من النص من الكتاب، السنة، الإجماع. وهي الدرجات التعاقبية المشرعة للعقل الإسلامي وتشكل له الفترة التأسيسية أو التكوينية، وقد قدمت نفسها عقلا تشريعيا للناس، وعليه أصبح العقل مفرغ الدلالة من راهنيته، من زمانيته التي تدفع الإشكالي فيه، الذي تحدد فاقدا لسمة الوثبة/الثورة إلا من داخل تلك المصادرة الكامنة فيه، فعل التثوير عنده (الشافعي) نصوصية لا تاريخية. وحصل سجن لمدلول العقل من كونه فاقدا للإرادة أصلا، فاقدا لسمة التداعي والطلب، مستلب الفعالية، لأنه أصبح دائرا في خانة الترديد والاجترار لا عقلا إبداعيا، عقل قاصر على الانخراط في مجتمع المدينة، وبهذا الشكل يرتكس العقل في لامعقولاته حين يصبح مجرد استدعاء للقديم وينخرط في لا تواصلية لاعقلانية ليصبح غائرا في طبقات اللامفكر فيه.