الرئيس تبّون يشرف على مراسم أداء اليمين    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    إحباط إدخال 4 قناطير من الكيف عبر الحدود مع المغرب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة النظام والتحول الديمقراطي
نشر في الخبر يوم 14 - 10 - 2014


الجزء الأول
تواجهُ الجزائر شغورا أكيدا للسلطة لا يمكن نكرانه، إذ أنه ثابت سياسيا وماديا وقانونيا، ويصب هذا الشغور في قلب أزمة نظام يصعب التنبؤ بتوابعها أو التحكم فيها.
وفي نفس أزمة النظام هذه تكمن أخطر التهديدات على سلامة الدولة، وعلى تماسك الأمة وعلى العيش الهنيء الذي يتطلع الشعب الجزائري إليه بكل شرعية.
إن شغور السلطة وأزمة النظام الذي يُغذي حركيتها اليوم هو في قلب نقاش سياسي وطني يَقِضٍ وَوَاعٍ.
أزمة لا مثيل لها
يسجل هذا النقاش انسدادا سياسيا وتفككا للسلطة، ويعاين مدى تسيب القيم والممارسات السياسية، ويُبدي قلقا من اللاحكامة التي لم يعد ممكنا إخفاؤُها لا بالمناورات ولا بالتلاعبات التي يلجأُ إليها النظام السياسي القائم بدون جدوى، ولا يخفي انشغاله من المعاقل التي أضحت تتحصن بها جماعات النفوذ والضغط والمصالح داخل دواليب الدولة ومؤسساتها، كما أنه يعكس تخوفاتٍ جادة من تجاوزات وانحرافات نظام فردي صمَّمَه شخصٌ لخدمته الذاتية وهو اليوم عاجز عن تجسيده.
وبالنظر إلى حجمها وكذا تعقدها، فإن أزمة النظام هذه لا مثيل ولا سابقة لها في التاريخ السياسي لبلدنا، وبالتالي وفي مواجهة أزمة من هذا النوع، ليس هناك لا حلولاً سهلة ولا وصفة جاهزة للتطبيق، فالمهمةُ عويصةٌ والتحديات كثيرةٌ والرهانات كبيرةٌ.
إن اجتهادي هذا إلى جانب الاجتهادات الأخرى التي يتقاسم وإياها النوايا والغايات يأتي ليجزم أن الحل ممكن وهو في متناولنا.
إِن المنطلق الرئيسي لهذا الاجتهاد هو استنتاجٌ مفاده أن في الجزائر اليوم أزمة نظام ينبغي حلها، وتحول ديمقراطي يجب تحضيره وانتقال من سلطة فردية إلى سلطة ديمقراطية يستوجب تنظيمه.
ولا يمكن الفصلُ بين هذه الإشكاليات الثلاث، فهي تحتاج إلى علاج شامل، ومن هذا المنطلق، فإن حل أزمة النظام وتحضير التحول الديمقراطي، وإعادة تأسيس النظام السياسي الجزائري إنما تمثل ثلاث مراحل تسلسلية لنفس المقاربة الرامية إلى بناء دولة ديمقراطية في بلادنا. لقد أعطيت اسما لمقاربة من هذا النوع “المسار الشامل لحل الأزمة السياسية” ويُمثل حل أزمة النظام نقطة انطلاق هذا المسار.
فعلا، تعيش الجزائر على وقع أزمة نظام، وعيونها متجهة صوب المظاهرة الأكثر شيوعا والتي يحاول البعض تقديمها في وجه الأمر العادي، كما أنها تنشغل بالانحرافات والانزلاقات التي تثيرها وتتخوف من نتائجها.
كما أن الجزائر تتساءل بمشروعية، حول مواقع صنع واتخاذ القرار الوطني وحول هوية أصحابه وحول أسس أفعالهم، فمن كان يتساءل في الماضي: “كيف تُحْكَمُ الجزائر؟” أصبح اليوم يتساءل: “من يَحْكُمُ الجزائر؟”.
إن فقهاء العلوم السياسية والدستورية يجمعون على أن أزمة نظام تقوم عندما تبرز أزمة شرعية وعندما لا تضطلع المؤسسات بمهامها الدستورية كاملة أو عندما يستحيل على الدستور الفصل في أزمات سياسية كبرى.
وإذا كانت واحدة من هذه الأسباب كافية لِلتَّأَكُّد من وجود أزمة نظام، ففي حالة بلدنا، هناك تجمع لهذه الأسباب الثلاثة نلحظها دون أن يقتدى بالاستنتاجات والأحكام الحتمية التي تمليها.
فرغم نكران النظام السياسي القائم ورغم كل الأطروحات الباطلة التي يتحجج بها، فإن أزمة نظام قائمة في بلادنا بكامل أركانها ومكوناتها وبكل آثارها التي أضحت لا تطاق على حياتنا السياسية وعلى حياتنا الاقتصادية وعلى حياتنا الاجتماعية.
ثلاث رسائل
إن أزمة النظام هذه هي لا ريب نتاج أزمة شرعية وأزمة دستورية وأزمة مؤسساتية. فكل أزمة من هذه الأزمات تغذي الأخرى ويتفاقم أثر كل منها بمفعول الأخرى.
لذا، فإنها تشكل كلا لا يقبل التجزئة وبالتالي يجب إخضاعها إلى مقاربة تجمع في مسعى شامل واحد التكفل بهذه الأزمات الفرعية الثلاث المكونة لأزمة النظام الكبرى التي نواجهها.
إن مقاربة من هذا النوع تحمل في وجهة نظري ثلاث رسائل جوهرية:
فرسالتها الأولى تؤكد أن الأزمة السياسية الحالية، لا يمكن اختزالها في أزمة حكامة مهما كان حجم رفضها، بل هي أزمة نظام سياسي بأكمله.
أما الرسالة الثانية، فإنها تفيد بأن الوقت قد حان لوقفة تأملية ضرورية تدعونا إليها خطورة الأوضاع الحالية تحضيرا لموعد البديل الديمقراطي الذي ينتظرنا.
أما الرسالة الثالثة، فهي تأكيد وجود كل مفاتيح الحل المنظم والتدريجي والهادئ بين أيدينا، ومن هذا المنظور فنحن مطالبون بأن نُحْسِنَ استعمالها لنجنب شعبنا تضحيات أخرى وبلدنا امتحانات عويصة هو في غنى عنها.
لقد سُئِلْتُ كثيرا عن أهم الدروس التي استخلصتها من هذا الاستحقاق، ولم يتغير جوابي قط، وهي الدروس ذاتها التي أعرضها هنا.
إن الاستحقاق الرئاسي الأخير كان بإمكانه أن يمنحنا فرصة سانحة لحل أزمة النظام. لكن توظيفه لغايات أخرى – غير الغايات التي كان يصبو إليها شعبنا – فوّت علينا هذه الفرصة وأضاعها من أيدينا ووضعنا اليوم في موقع دفع تكاليف هذا الإخفاق التي لا تعد ولا تحصى.
لا شك أن الرئاسيات هذه قد أجّلت لوهلة بعث البديل الديمقراطي لكنها لم توقف إطلاقا زحفه ولم تنه مسيرته.
من جهة أخرى، لم يؤد هذا الاستحقاق إلى اختيار رئيس للجمهورية وإنما إلى استفتاء شغور السلطة بواسطة التزوير المفضوح.
ولم يحمل هذا الاستحقاق حلا لأزمة النظام، وعلى عكس ذلك، جاء ليطيل في عمرها ويزيد مفعولها تأزما سواء تعلق الأمر بأزمة الشرعية والأزمة الدستورية والأزمة المؤسساتية.
وجود الدولة في خطر
فعوض حل لأزمة سياسية يبصر الجميع مدى تسارع وتفاقم تطوراتها، لم يأت الاستحقاق الرئاسي الأخير إلا بفرض أمر واقع يُضاف إلى الأمر الواقع القائم.
إن مصيري الشخصي لا مكان له في هذا المقام ولا في مقابل دقة هذه التحديات وخطورة هذه القضايا، لأن ما هو معرض للخطر في هذه الظروف إنما هو وجود دولة وديمومة أمة وتطلّع شعب بأكمله إلى الطمأنينة والهناء.
إن طبيعة ومضمون الاستجابة إلى هذه الرهانات والتحديات هو الفصل والمعيار وعلى أساسها سَيُقَيَّمُ عمل ومسؤولية كل من يعتبر في هذه الأوقات الحساسة، أن الجزائر تستحق مسلكا آخر وأنها جديرة بمصير آخر لها ولِجميع من يحتمون بها.
إن واجبنا الأول ومسؤوليتنا الأسمى يُمليان علينا أن نقر بكل وعي وصفاء ضمير بأن الاستحقاق الرئاسي الأخير قد زاد الأزمة السياسية عمقا وتعقيدا.
ويا لها من مفارقة، ففي دول أخرى أكثر رحمة على الممارسة الديمقراطية الأصيلة يُعوّل أيّما تعويل على الانتخابات للفصل في الأزمات السياسية عدا في بلادنا حيث أضحت ذات الانتخابات عامل تعقيد واستفحال بالنسبة للأزمات السياسية التي نواجهها.
خلاصة الحديث في هذا الموضوع، أن انتخابات رئاسية مزعومة قد تمت في شكل شغور للسلطة كرّسه ورسمه استفتاء غير معلن، لكن أزمة الشرعية والأزمة المؤسساتية والأزمة الدستورية لازالت أمامنا كاملة ووزينة وهي تلاحقنا دون هوادة ولا انقطاع.
إن هذه الأزمات كلها تنتظر منا الحلول السليمة والعاجلة في وقت نرى فيه حُكَّامَنَا السياسيين منهمكين ومنهكين في البحث عن سبل الإرجاء والتأجيل لهذه الحلول.
نعلم جميعا عدا الذين لا دَوَرَانَ لهم إلا حول فلك النظام السياسي القائم، أن مؤسساتنا الجمهورية التي يُدَّعَى أنها منتخبة – من القاعدة إلى القمة أي من البلدية إلى رئاسة الجمهورية – هي كلها مؤسساتٌ مجردةٌ من أبسط خاصيات المشروعية. فهي وليدة التزوير دون جدل، ذلك التزوير الشائن والمعيب الذي حَرِصْتُ دون كلل أو ملل أن ألصق به صفة المساس بحرمة الدولة والجريمة ضد الأمة.
تحويل المسارات الانتخابية إلى محاصصات
إذا كانت هناك قناعة راسخة لدى كل الجزائريات والجزائريين ويتقاسمون حملها في أعماق ذاتهم فهذه القناعة هي أن حُكَّامَهُمْ ليسوا في أماكن المسؤوليات التي يتبوؤونها بحكم إرادتهم وخيارهم، وأن من يزعمون تمثيلهم لا يمثلون إلا أنفسهم، وأن المواطنة والسيادة الشعبية غُيِّبتا من سائر مؤسساتنا أيّما تغييب.
ففي هذه الظروف لا مكان للاستغراب في وجه مسارات انتخابية أُنزِلت بِرُمتها إلى درجة عمليات سياسية-إدارية تُنظم وتُؤطر وتُقرر بواسطتها محاصصات انتخابية تُكافئ الولاءات وتعاقب الخروج عن الطاعة. إن تصرفا كهذا لا يمكنه المرور دون توابع وخيمة، فالطابع التمثيلي الغائب لمؤسساتنا هو ضحيتهُ الأولى وهو في ذات الوقت المتصدر لقائمة أضراره الطويلة والعريضة. كما يتولد عن هذا التصرف إضعافٌ لسلطة الدولة واستخفافٌ لهيبتها. ولا يمكن أن ينجر عن ذات التصرف سوى انهيار علاقة الثقة بين المواطن والمسؤول والقاعدةُ أن الثقة قوامُ الحكامة السياسية ومصدرُ بسطها المقبول.
في الجزائر اليوم أزمة نظام ينبغي حلها، وتحول ديمقراطي يجب تحضيره وانتقال من سلطة فردية إلى سلطة ديمقراطية يستوجب تنظيمه.
الاستحقاق الرئاسي الأخير كان بإمكانه أن يمنحنا فرصة سانحة لحل أزمة النظام. لكن توظيفه لغايات أخرى – غير الغايات التي كان يصبو إليها شعبنا.
نعلم جميعا أيضا عدا أولئك الذين لا تهمهم سوى صلابة ولائهم للنظام السياسي القائم وديمومة وصولهم إلى مصادر الريع الجذابة، أن مؤسسات البلاد في حالة تعطل شبه كامل.
لا يمكن للجمهورية أن تُثَمَّنَ وتحتمي إلا بالمشروعية والتمثيل الأصيل للمؤسسات التي توضع في خدمتها. فإذا همشت المواطنة أو تم الاستغناء عنها وإذا تم اختطاف السيادة الشعبية أو السطو عليها يزول معناها ويغيب جوهرها.
نعلم جميعا أيضا عدا أولئك الذين لا تهمهم سوى صلابة ولائهم للنظام السياسي القائم وديمومة وصولهم إلى مصادر الريع الجذابة، أن مؤسسات البلاد في حالة تعطل شبه كامل.
إنني في استماع متواصل للجزائر العميقة وأصداؤها التي تصلني غير مريحة على الإطلاق. من ربوع بلدياتنا ودوائرنا وولاياتنا تبلغني معلومات دقيقة حول برامج تنموية محلية متوقفة وانشغالات يومية للمواطنين مهملة لا لسبب سوى لتعليمات أو توجيهات أو قرارات أو أحكام لا يصدرها مركز القرار الوطني الذي غاب أو اختفى.
ففي حال حكومةٍ عادت لا تجتمع إلا نادرا وبرلمانا أصبح لا يشرع إلا بندرة مماثلة، لا يمكن للنتيجة إلا أن تكون على الوجه الذي هي عليه اليوم: ملفات ومشاكل وطنية شتى لا يتم التكفل بها ومعالجتها بالطريقة المنتظرة وطلبات وتطلعات للمواطنين كتب لها حكامنا الإهمال والنسيان.
مجالس وزراء نادرة
وبرلمان مشلول
ألا يتحصر كل واحد منا لرؤية مجالس وزرائنا وهي تصل إلى مستويات من الندرة أدت إلى الإعلان المثير عنها والاحتفاء بها بل وإدخالها في خانة الإنجازات الخارقة للعادة وكبريات المعجزات؟ وهل يمكن لنا الاعتراف بجدية ومصداقية ونجاعة حكامة لا يضمنها سوى معدل خمسة اجتماعات لمجلس الوزراء سنويا في وقت تلتئم فيه المجالس الشبيهة في العالم أربعين أو حتى خمسين مرة في السنة ؟
أولا يتحصر كل واحد منا بنفس المقدار لمعاينة حالة الشلل شبه الكامل التي يعاني منها برلماننا في غياب مشاريع قوانين تأتيه من الحكومة بانتظام؟ فبين سنة 2010 وسنة 2014 لم يتبن برلماننا هذا سوى معدل عشرة قوانين. إن مقارنة هذا المعدل بالمعدلات التشريعية المعهودة في العالم يكفي في حد ذاته لإظهار حالة البور المستديمة التي تعاني منها شؤون الأمة الحيوية.
وكلنا يعرف أخيرا عدا شبكات النظام المتنوعة وجماعات الضغط والنفوذ والمصالح التي ربطت مصيرها بمصيره أن الجزائر تعيش واقع شغور في السلطة أكيدًا ومؤكدًا.
سأحاول القيام بعملية جرد موضوعي لمقومات ودلالات هذا الشغور دون أن أعتبر بتاتا أنها شاملة وكاملة ووافية.
تذكير ومراجعات
إن عملية جرد كهذه تستوجب قدرا من التذكير، كما أنها تتطلب القيام ببعض المراجعات تساعد على فهمها وكذا فهم الكيفية التي حُوِّلَتْ إشكالية شغور السلطة من واقع سياسي ودستوري محدود وواضح المعالم إلى أزمة نظام بكل أسسها وأبعادها تهدد كيان الدولة من جهة واستقرار وتوازنات الأمة الحساسة من جهة أخرى.
يتعلق التذكير الأول بنية لم يخفها المسؤول الأول في الدولة وهي نية شَخْصَنَةِ نظام الحكم شخصنةً كاملة مكتملة. ولقد بلغ مبتغاه عن طريق المراجعة الدستورية لسنة 2008 التي مكنته من الاستحواذ على صلاحيات واسعة وجوهرية من صلاحيات رئيس الحكومة الذي أُنزل بالمناسبة من هذه الدرجة السامية إلى درجة أقل شأنا ونفوذا ألا وهي درجة وزير أول ينسق ولا يدبّر ولا يقرر. وضمن هذه العملية الدستورية ذاتها تم تطويق البرلمان في حدود غرفة تسجيل يمكن القفز على صلاحياتها بواسطة الأوامر الرئاسية التي يتم اللجوء إليها لا في الحالات الاستعجالية وإنما لتمرير التشريعات الأكثر أهمية وحساسية دون قيود أو شروط.
وفي نفس الاتجاه جعل مشروع شخصنة نظام الحكم شرائح واسعة من الوساطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في خدمته لا آمر ولا ناه لها إلا في شخص الرجل المنقذ الذي أملى عليها خرافته وجعلت منه بدورها المنارة والمرجعية الوحيدة بالنسبة لها.
إن مرد تفاقم أزمة شغور السلطة والتداعيات المأساوية التي تولدت عنها هو بناء حكم فردي وجمع مهام دستورية واسعة في يد رجل واحد أضحى من المؤكد أنه غير قادر على الاضطلاع بها.
ويتعلق التذكير الثاني بهدف إضافي لم يكتمه الحامل الأول لأعباء الجمهورية، ألا وهو ضمان سلطة مدى الحياة يأتي كتمديد لها الاستفراد بانتقاء الخلف على رأس السلطة وتسليمها له كإرث فردي. فالتعديل الدستوري لسنة 2008 لم يكن سوى أداة في خدمة هذا الهدف الذي فُرِضَ فرضا علينا من خلال الإلغاء الكلي للمادة الدستورية التي تحدد العهد الرئاسية في خماسيتين لا أكثر.
إن منبع كل الأضرار الهدامة التي لحقت بحياتنا السياسية والمؤسساتية يكمن بالتأكيد في الاستغناء عن تحديد العهد الرئاسية الذي لم يأت استجابة لأغراض أخرى غير ترضية لغرائز وأهواء فردية سلطت هيمنتها على شعب بأكمله وعلى دولة بكل مفاصيلها.
فلولا إلغاء تحديد العهد الرئاسية لما وقفنا في هذه اللحظات لنتأوّه على شغور السلطة أو لنشغل بالنا بإمكانية تحويلها عن طريق الاستفراد بانتقاء الخلف.
أما التذكير الثالث فهو يتعلق برسم آخر لم يستره قائد المؤسسة الرئاسية وهو ترويض وتدجين كل مؤسسات الدولة. فهذه المؤسسات كلها لم تعد منظمة ومسيرة ولا تتحرك إلا به ومن أجله بصفته تجسيد لخرافة الرجل المعجزة الفارغة.
فمن دون مؤسسات تم تدجينها وترويضها بإحكام – وعلى وجه الخصوص البرلمان والمجلس الدستوري – لكان من الممكن الوصول إلى حل مناسب وميسور طبقا لأحكام الدستور الواضحة والصريحة. فحل كهذا كان بمقدوره أن يجنب شعبنا آثار شغور السلطة الصعبة ويرفع عن بلدنا الشعور المخجل بأنه أصبح موضوع سخرية عند البعض وشفقة عند البعض الآخر من أمم المعمورة كلها.
تلتقي وتتداخل المراجعات الثلاث التي ارتأيت من المفيد التذكير بها في خلاصة واحدة: في خرق كامل لروح ونص الدستور لا مكان عندنا لفصل السلطات ولا لتوازن السلطات وكل ما في الأمر أن لا وجود سوى لاحتكار وجمع جل السلطات في يد رجل واحد يعجز اليوم على الاضطلاع بها متسببا بحكم عجزه هذا في تعطل كل دواليب الدولة الحساسة.
إن السلطة الفردية والسلطة مدى الحياة وتدجين مؤسسات الجمهورية تجتمع في حركية واحدة لتضفي على إشكالية شغور السلطة الراهنة طابع تحد في أعلى مستويات الحساسية والخطورة.
بعد تسجيل المراجعات الأساسية الثلاث التي مكّنتنا من الوقوف عند مصادر الأزمة السياسية الحالية في تنوعها وفي أبعادها، يمكن الآن فسح المجال لعملية جرد مكونات ودلالات شغور السلطة في كل جوانبها السياسية والقانونية والمادية.
ولنستهل هذا المشوار التفقدي بالجوانب السياسية:
منذ متى لم يزر المسؤول الأول في الدولة ولو مدينة واحدة من مدن بلادنا الشاسع؟
منذ متى لم يخاطب شعبه في أوقات الفرح أو القرح؟
غياب يثير الاستغراب
ولما تعرضت الجزائر في تيڤنتورين لأخطر هجوم إرهابي سجلته العشرية الماضية، ألم يكن غيابه كاملا ومثيرا للاستغراب والتعجب؟ أين كان مسؤول الأمن القومي الأول والأرواح تزهق بالعشرات ومنشأة حيوية تدمّر؟ في تلك الآونة المأساوية كانت الجزائر محط أنظار العالم كله ولم يكن لمسؤولها الأول لا صوتا مريحا ولا ظهورا مطمئنا في أي شكل من الأشكال.
ولما أصابت غرداية مصيبة الفتنة وسقطت الأرواح وسالت الدماء وتعالت طلبات النجدة، أين كان ذلك المسؤول الذي يقول عنه الدستور أنه يجسّد وحدة الأمة؟ هل تفوّه ولو بكلمة واحدة مواسة لهذا الجزء الجريح من جسمنا الوطني؟ وهل قام ولو بفعل واحد لتضميد جروحه؟ وهل انتقل إلى بؤرة التوتر هذه لتهدئة العقول وإعادة الراحة إلى القلوب ومخاطبة الضمائر كي تستعيد غرداية الغالية حقها في العيش الهادئ والكريم؟
هل هو ظاهر للعيان متواجد وفعال في ميادين النشاط الخاصة به إذا استثنينا تلك الطقوس التلفزيونية التي بلغت القمم في التلاعب والفبركة تبتهج لها وتستلهم منها القنوات الساخرة في العالم؟
هل يعبّر كسائر قادة الدول الأخرى عن مواقفه من كبريات شؤون الأمة قصد اطلاع أو تنوير أو توجيه مواطنيه؟
هل يمثل الجزائر في محيطها الدولي وهل يدافع عن مصالحها الوطنية فيه وهو الذي لم يشارك ولو في قمة دولية واحدة منذ قرابة الخمس سنوات؟
وهل هو قائم بتجسيد الدولة كما يأمر به دستور الجمهورية وهو الذي اندثر تواجده الداخلي والخارجي على حد سواء؟
ولنواصل هذا المشوار التفقدي لشغور السلطة في جوانبه القانونية
هل يضطلع حقا صاحب المسؤولية الرئاسية بالمهام الموكلة إليه دستوريا على الوجه الأكمل وبالدقة والصرامة المنصوص عليهما شكلا ومضمونا؟
هل يدعو مجلس الوزراء للاجتماع في الآجال المعهودة المعقولة والمقبولة بغية ضمان التسيير الحسن لشؤون الأمة؟
هل يسهر على السير المنظم والسلس لدواليب الدولة والحقيقة أن مراسيم التعيين الخاصة بإطارات الأمة تتراكم بالمئات فوق المكتب الرئاسي؟
هل يستلم أوراق اعتماد سفراء الدول الأجنبية كما ينص على ذلك دستور البلاد؟
أولم تفوض صلاحيات لصيقة بالوظيفة الرئاسية وبالمجالات الرئاسية المحفوظة تحديدا في خرق صارخ وصريح لنص الدستور؟
وبما أن المكتب الرئاسي مهجور منذ آماد طويلة من الذي ينشط ويوجّه ويقود الطاقم الرئاسي وفي المقابل يستلم مقترحاته وتوصياته الخاصة بمعالجة أمهات المشاكل الوطنية؟
ولنختم مشوارنا التفقدي هذا في خبايا شغور السلطة في جوانبه المادية:
هل يمكن الجزم بأن حامل المسؤولية الأولى في الجمهورية يتمتع حقا بكل القدرات الضرورية للقيام بمهامه الدستورية؟
-أمن البلاد الخارجي مهتز ومهدد فهل له أي تواجد يذكر في القمم التي خصصت دوليا للأمن في المنطقة الساحلية –الصحراوية والوضع في ليبيا الذي أصبح يشكل أول منبع لانشغالاتنا الأمنية، هل له فيه تأثير قولا وعملا؟
هل بإمكانه استقبال نظرائه الأجانب أو حتى مهاتفتهم في الأشكال البروتوكولية المتعارف عليها؟
هل لا يزال يتمتع بقدرات التركيز والتحليل الخاصة التي تتطلبها معالجة الملفات الوطنية الكبرى السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية؟
ألم تعد رحلاته العلاجية في الخارج جد متكررة وجد متقاربة إلى درجة أصبحت تطرح في حد ذاتها إشكالية مواصلة وديمومة أداء المهمة الرئاسية؟
ألم يصبح عجزه البدني سببا في تغذية كل التخمينات حول مركز القرار الوطني الحقيقي وحول هوية الصانعين الفعليين لذات القرار؟
ألم يعد المكتب الرئاسي مهجورا وهو قلعة صنع واتخاذ القرار الوطني؟
ألم يتغلب الاعتناء بشغور السلطة على حكامة الدولة؟
وزير سابق عوض مبعوث أممي حالي
أدعو من يساورهم أدنى شك بهذا الشأن أن يلفت أنظارهم نحو الصفحة الأولى من جريدة المجاهد الصادرة يوم 09 أكتوبر 2014؟ ما الذي تفصح عليه؟ فهي تخبرنا أن صاحب الوظيفة الرئاسية قد استقبل وزيرا جزائريا سابقا للشؤون الخارجية بغية إسكات التخمينات التي توسع نطاقها في الآونة الأخيرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وفي اليوم ذاته تعلمنا نفس الصفحة، أن الوزير الأول التقى بالمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالملف الليبي. وبما أن ليبيا أصبحت شغلنا الأمني الشاغل في هذه الظروف بالذات، ألم يكن من واجب المسؤول الأول في الدولة أن يلتقي بالمبعوث الأممي كما تقتضيه الحكامة الحقيقية لشؤون الدولة؟
يجب علينا جميعا التمعن في هذين الخبرين، إذ أنهما أحسن دلالة على الأسبقية التي يحظى بها التسيير الحسن لشغور السلطة على حساب التكفل الصارم والنزيه بشؤون الأمة.
لقد أحصيت تسعة عشر دلالة على الشغور السياسي والقانوني والمادي للسلطة، كل واحدة منها جديرة بأن يفتح على أساسها إجراء دستوري للتحقق من وجود مانع لأداء المهام الرئاسية.
أما إذا تم الاستناد إليها في جملتها وتفاصيلها، فإنها تثبت بما لا يدع أدنى مكان للشك، أن حالة شغور للسلطة قائمة ومتواصلة اليوم في أعلى مستوى من هرم السلطة.
لكن أكثر من كل هذه الدلالات الكاشفة ما يخجل ويحزن في آن واحد، هو تصرف قادتنا السياسيين في وجه هذا الشغور. هل يظنون أنه بمقدور هذه الصور الزائفة وهذه البيانات المغشوشة أن توهم أيا كان؟ وهل يعتقدون حقا أنه بإمكان هذه الوسائل التي بلغت مستويات عالية في قول الزور واستعمال المزوّر أن تطمئن أيا كان على أن الدولة في أياد أمينة وأنها تحظى بعناية حكامة سليمة؟ فإن كانوا يصدقون المثل القائل بأن “مع ضخامة الخديعة يهون تمريرها” فليعلموا أن الجميع تفطّن إلى خلفيات خدعهم وفكّ ألغازها بسيطة كانت أو مركبة.
وعلى صعيد آخر، ألا يكشف تصرف كهذا أن قادتنا السياسيين لا يشغلهم في هذه الأوقات الدقيقة إدارة البلد وإنما التكفل بشغور سلطة تجاوز قدراتهم المناورتية؟
وعلى صعيد أخير ألا يدركون أنهم – لعله دون الشعور بذلك – انتقلوا من تقديم حجج للنشاط، إلى عرض حجج تملي عليهم الشائعات والتخمينات محاولة إثباتها. إن مثل هذا الوضع المأساوي إهانة للعقول وإهانة أكبر لبلادنا الذي يُفْرض عليه وضع كهذا بدون وجه حق.
من واجبنا أن لا نسيء التقدير، فإن النظام السياسي القائم يعلم كل هذا ولا شك أنه يعلمه أحسن منا. إنه يعلم أن شغورا للسلطة قائم ويجتهد أيما اجتهاد لإخفائه وإسكات تابعاته.
البعض يقول إنه بصدد تحضير خطة “ب” أو خطة “ج” أو خطط أخرى لا يعلمها إلا هو. والبعض الآخر يجزم أن الخلافة أضحت مفتوحة وأن تحويلا إرثيا للسلطة قد انطلق. بكل أمانة لا توجد بحوزتي إثباتات لأي من هذين الطرحين، وكل ما أنا متيقن منه هو أن السلطة الفردية تهدف دائما إلى تنظيم وراثتها بذاتها ولا يقودها في هذا المسعى الشاذ سوى رغباتها ومصالحها الضيقة.
إن السلطة الوراثية امتداد ودعامة للسلطة الفردية.
إن السلطة الفردية لا تتصور نفسها إلا ممتدة في لا نهاية الزمن. فهي لا تحسب أي حساب لوصول أجلها وتأمل في ضمان الديمومة من خلال الخلف المنتقى.
وأخيرا يتصور النظام الفردي أن الخلود له وأن إعادة بعثه في صورة هذا الخلف ممكنة وقابلة للتحقيق.
يجب علينا أن لا نخطئ أيضا في قراءتنا السياسية بهذا الشأن، أن الانتقال الإرثي للسلطة لا يعني بالضرورة تحويلها داخل الإطار الضيق للعائلة أو ذوي القربى. وبالفعل، فإن الانتقال الإرثي للسلطة يحدث بمجرد أن تتكون لدى حاملها القناعة بأنه المسؤول الوحيد والأوحد على توقيت وعلى شكل تحويلها وكذا على تحديد هوية المستفيد النهائي منها.
إن طريقة تفكير وتصرف كهذه ليست غريبة إطلاقا على السلطة الفردية التي استحوذت على نظامنا السياسي واصطنعت مفاصله على مقاسها. فعلى غرار كل السلطات الشبيهة التي يتقاسم وإياها الطبيعة والجوهر، فإن النظام الفردي السائد عندنا يعتقد اعتقادا راسخا أن ديمومته مرهونة بتحويله الإرثي.
وما فكرة إحداث منصب نائب رئيس الجمهورية التي أشبعت الساحة الوطنية جدالا وشائعات وتنبؤات، سوى مرآة عاكسة لهذا المنطق المنافي لأبسط قواعد الحكم الجمهوري.
وبالفعل، فإن انتقاء نائب لرئيس الجمهورية خارج حكم الشعب وتنصيبه ووضعه في حالة انتظار لتوليه المهمة الرئاسية ما هي إلا شكل بين أشكال أخرى للتحويل الإرثي للسلطة.
لسنا بحاجة إلى معرفة أسرار دوائرنا السياسية القيادية كي نتأكد من ميولها وتفضيلها للخيار الوراثي.
يبدو لي في هذا السياق أن السؤال الذي يستوجب الوقوف عنده هو: ما هي النوايا المبيّتة والغايات الخفية والأهداف المقنعة لخيار كهذا؟ لا توجد بالنسبة لي سوى أربعة دوافع لتصرف من هذا القبيل.
الدافع الأول مرتبط ارتباطا وثيقا بحالة شغور السلطة التي لا يعترف بها قادتنا السياسيون ولكنهم يسهرون كل السهر على إعداد وتحضير وتنظيم المخرج منها.
الدافع الثاني يكمن في ذهنية ومنطق وثقافة نظام فردي يطمح إلى الديمومة وتحرّكه القناعة بأن الكلمة الأخيرة والكلمة الفصل في تحويل السلطة تعود له هو وحده دون سواه.
والدافع الثالث متواجد في صفوف كل جماعات النفوذ والضغط والمصالح التي ربط معها النظام الفردي القائم على علاقات دعم وحماية متبادلة من شأن الانتقال الإرثي للسلطة أن يبقي عليها ويصونها.
أما الدافع الرابع والأخير فهو من صنع نظام سياسي لا يريد التغيير أو التجديد ويرى في التحويل الإرثي للسلطة السبيل الأمثل لضمان بقائه وبقاء مراكز هيمنته وامتيازاته.
وما عليّ إلا أن أقول لكل من تُغْريهم مغامرة التحويل الوراثي للسلطة، سوى أن تصرفهم تصرفٌ بال، وأن الوسائل التي يلجأون إليها قد تجاوزها الزمن، وأن مقاربتهم السياسية الخاطئة هي نتاج عهد قد وَلَىّ بلا عودة.
هل هو ظاهر للعيان متواجد وفعال في ميادين النشاط الخاصة به إذا استثنينا تلك الطقوس التلفزيونية التي بلغت القمم في التلاعب والفبركة تبتهج لها وتستلهم منها القنوات الساخرة في العالم؟
كلنا يعرف أخيرا عدا شبكات النظام المتنوعة وجماعات الضغط والنفوذ والمصالح التي ربطت مصيرها بمصيره أن الجزائر تعيش واقع شغور في السلطة أكيدًا ومؤكدًا.

لقد أحصيت تسعة عشر دلالة على الشغور السياسي والقانوني والمادي للسلطة، كل واحدة منها جديرة بأن يفتح على أساسها إجراء دستوري للتحقق من وجود مانع لأداء المهام الرئاسية.

….يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.