”كارطا” للصحفيين بمناسبة يومهم الوطني ذاك، ثم ماذا؟ الصحفي (عبد السميع عبد الحي) في الحبس الاحتياطي لأكثر من عام، بتهمة تهريب مديره هشام عبود الذي نشر صورة جواز سفره وهو يحمل ختم الخروج الرسمي من مركز حدودي جزائري. ثم ماذا؟ صحافة تغرق وسط فوضى منظمة، في الإشهار والطبع والتوزيع؟ تطلب الأمر ما يقارب العشرين عاما حتى تفرج الحكومة عن ”كارطة الصحفي!”. فكم سيلزمها من وقت لتحرر ”الإشهار” من طلاسم ظلمة توزيع ما يقارب العشرين مليارا يوميا؟ في بداية سنة 98، أخذت قضية الاحتكار السياسي تضغط أكثر على علاقة الصحافة بالسلطة. وكان واضحا أن الجريدة التي تسعى للحصول على إشهار الوكالة الحكومية، عليها أن تلتزم بقواعد محددة، ليست لها علاقة بالمهنية ولا الاحترافية ولا الموضوعية. ولخص تلك المعادلة وزير اتصال سابق، عندما قال ”تستفيد حين تكتب للحكومة”. فما مصير الذين يحققون في قضية سوناطراك أو في الدعم الفلاحي والدعم في استثمارات الصيد البحري أو في قضية الطريق شرق غرب، أو فواتير الاستيراد أو في نوعية ما يتم استيراده. كيف يكون مصير من يحفر لفهم واكتشاف خبايا صعود الخليفة، وسر إفلاسه. أي مصير ينتظر الذين يقومون بواجب دعم المجاهد ملوك.. هل يصنفون في خانة الذين يضرون بمصالح البلد؟ بلغ الخلط العمدي بين مصلحة البلاد وبين مصلحة المسير ذروته عند التحضير للعهدة الرابعة، لتنصيب رئيس فشل في ثلاث عهدات سابقة في تحرير الاقتصاد من مبيعات سوناطراك، كما فشل في ترشيد التسيير وإخضاعه للأخلاق. ويحاولون دون ملل فرض انتصارات وإنجازات، ما تحقق منها كلف الخزينة أضعاف ما كان يجب. أعترف بأن وزير الاتصال الحالي لا يتحمل كامل مسؤولية ما يجري الآن، فحين بدأت القضية تأخذ أبعادا خطيرة، كان يعمل موظفا عند ”جازي”، وهو اليوم يتعامل مع تركة. لكن له مسؤولية الكشف إن استطاع الوصول إلى ذلك، عن آلية تقسيم الإشهار. وألا يتوقف عند مطلب ”الخبر” على أساس أنه يطالب بالإشهار، أو أنه يتعرض لهجوم على شخصه، أو على ما يتلقاه من تعليمات تأتيه من الرئاسة. يعرف الوزير أن العلاقة بين مؤسسة ”الخبر” ووكالة الإشهار مقطوعة منذ 1998. وقطعت لنفس الأسباب التي سيتم استخدامها لحجز مطبعة ”الخبر” و”الوطن” لمدة 3 شهور بميناء العاصمة في الربع الأول من العام 2001. بقرار غريب لم يستطع حتى رئيس الحكومة بن فليس حل خيوطه، إلا القول آنذاك بأن الأمر يتجاوزه، وأن الرئيس هو من قرّر التحفظ على المطبعة. بأي حق؟ يبتسم كل من نسأله. العام 2004، تنطلق ”الخبر” و”الوطن” في مفاوضات لشراء مطابع للشرق والغرب، وثانية في الوسط. رفض بنك عمومي أول مرافقة العملية، ولعب الثاني لعبة استخدام الوقت لإفشال الصفقة، حيث في آخر لحظة وبعد عام من التماطل، نصح ”الخبر” و”الوطن” بعودتهما إلى حيث فتحا حسابهما الاجتماعي. أي أن اللعبة انتهت برفض السلطة توسع الجريدتين، مستخدمة غطاء البنك، والسبب التجاري. فما كان أمام الجريدتين إلا البحث عن بنك لإتمام الصفقة، وإلا كيف سيدفعان ثمن المطابع؟ بالشكارة؟ بنوك أجنبية في الجزائر، هي من قبلت التعامل مع الجريدتين. ولو لم تتوجه الجريدتان إلى حل المطابع، لاندثرتا من سنوات. كان الوزير الحالي مطلعا على الأمر، كان يسأل عن مصير المطبعة الأولى، ويتأسف على ظلم السلطة. كان مصير الوزراء الذين حاولوا الاقتراب من ملف الإشهار، أنهم ”طاروا” من مناصبهم. أولهم رحابي وآخرهم بوكرزازة عندما حاول فهم خلفيات دفع مستحقات إشهار إلى مجلة أجنبية. وبينهما أو بعد بوكرزازة لا أحد تجرأ على الاقتراب من مسك ملف الإشهار. كان أمامهم الاختيار بين المشاركة أو الخروج. ولنكن منصفين، لا يوجد وزير قادر على خلخلة هذا النوع من الأسواق، لأن الأمر يتجاوز مجرد الرغبة، وهو فوق القدرات. فالسوق، كل السوق هي تحت رحمة مضاربين. وكغيره من الأسواق، لسوق الإشهار مضاربوه وأربابه. فعندما ترفع ”البندير” لك سعر، وعندما تنفخ في ”الزرنة” لك سعر، وحين ”تبندر وتغيط” تستفيد من رزق واسع، مهما كان موقعك، في الإعلام أو في الأحزاب أو في النقابات والمنظمات.. قد تنجح السلطة في خنق ”الخبر” و”الوطن” و”الفجر”، وتعاقب كل من لم يقف معها في العهدات السابقة. قد تنجح في معاقبة كل من وقف ضد العهدة الرابعة. قد تنجح لتقف على أطلال أعدائها، وتتبول على أضرحتهم، لكنها لن تتمكن من طمس حقيقة إلى الأبد. حقيقة صرفها أضعاف ما تم صرفه في ”مشروع مارشال”، من أجل إحياء أوروبا الغربية غداة الحرب الثانية. لا داعي للمقارنة بين ما آل إليه المال هنا مع ما تم إنجازه هناك. إن استمرار تنظيم مآدب أكل ب”مليون ونصف” للشخص، لا يشرف وزير راوي (شهادة الإعلامي بخليلي). ومقايضة منح ترخيص لإصدار جريدة، لا يشرف من يرافع عن المهنية والاحترافية (شهادة الإعلامي تأملات). لدي شعور بوجود إرادة لتصفية الإعلام الذي وقف ضد العهدة الرابعة. وما نعيشه من تضييق هو رش غبار لحجب حقيقة فساد استوطن المؤسسات، وجعلها ملحقات لأسواق. هذا هو عهد إرضاء الرئيس، وأصدقاء الرئيس.