العلاقات الجزائرية الفرنسية غير متوازنة، هذا مفهوم. وفيها الكثير من الإجحاف في حق الجزائريين، هذا باعتراف الوزير الأول أمام الصحافة الفرنسية في زيارته الأسبوع الماضي. ولكن أيضا فيها الكثير من المغالطات التي يقدمها هذا النظام لشعبه مزينا له سوء عمله. دعونا نتجاوز “حشوة” مصنع سيارات “رونو”، وعنقود الأكاذيب التي ضحك بها عرّابو النظام على شعبهم رغم أن إدارة “رونو” حولتهم إلى مسوقين “سوقيين” لأردئ أنواع منتجاتها.. ودعونا نتجاوز المعاملات “السوقية” التي حظيت بها أرمادة الوزراء والمدراء وعلى رأسهم الوزير الأول سلال، فقد تعامل معهم الطرف الفرنسي على قدر “أهميتهم” وهو يعرف أن استقبال “خدمه” لا يستدعي بروتوكولات ولا تهذيبا دبلوماسيا، فأغلبهم لهم أملاك وأموال في “بلدهم الأصلي فرنسا”، والبعض الآخر متجنس هو أو أبناؤه بالجنسية الفرنسية، وآخرون كما يعلم الجزائريون لايزالون يتلقون رواتب تقاعد آبائهم من خدمة فرنسا العظيمة!. كل ذلك مفهوم، ونحن نغفر للطرف الفرنسي إهانته لهم، فهم يستحقون على كل حال.. بيت القصيد أن الاتفاقات التسعة المعلنة، من بين أكثر من عشرين، حسب ما تسرّب قبل الزيارة، كلها تبيع لنا الهواء معلبا في أوراق مالية.. وهي تتعلق بما يسمى “خدمة ما بعد البيع” لسلعة لم نشترها بعد. فلا يوجد في الاتفاقيات ما يعود على الجزائريين بالنفع مقابل الأموال الطائلة التي سيدفعونها للطرف الفرنسي لإنقاذ اقتصاده المفلس!. فأغلب الاتفاقيات تتعلق بالتكوين وترقية العلاقات في مجالات أصبحت فيها فرنسا متخلفة، من نوع البحث العلمي، والطاقة الذرية والكهرباء والرياضة.. وزيادة للضحك على ذقوننا أضاف الوزير الأول بفخر اتفاقيات من نوع “هيكلة وتطوير فرع تربية الأبقار” أو “إنشاء شركة مختلطة في مجال بذور الحبوب والعلف”!؟ وكأن فرنسا متطورة في هذا المجال أكثر من هولندا أو إيطاليا.. اللهم إلا إذا كان “العلف” موجها لاستهلاك “بقر” الحكومة!.. غير أن كبيرة الكبائر هي “إعلان نية حول التعاون في مجال الدفاع”.. إعلان نية من فضلكم!؟ مع جيش ليس لديه مسدس من صنع فرنسي حسب علمنا، حتى لا نقول صواريخ.. وقد انكشفت هذه “النية الساذجة” في استباق الطرف الفرنسي الإعلان عن زيارة الجنرال دولور لافال للجزائر للبحث في تفاصيل تلك النية الساذجة، وتوقيع اتفاقيات ملموسة يجري حاليا الاجتهاد في “تكويرها”.... المؤسف في كل ذلك، أن الطرف الجزائري، وهو ضحية خداع دائم في هذه العلاقات الخطرة التي تربطنا بفرنسا، لم يتعظ من حادثة المروحة. ففي النهاية اعترف التاريخ بأن الحادثة مفبركة لإنقاذ الاقتصاد الفرنسي المنهار يومذاك، وذلك الاقتصاد نفسه منهار اليوم، فمن يدري ربما سنستيقظ ذات صباح على وقع حاملات طائراتهم في سيدي فرج.. لم لا؟ فالتاريخ يكرر نفسه أحيانا لمجرد الضحك على الأغبياء..