قد تقوم عوائق كثيرة لدى المنظمات الدولية، والهيئات الغربية، ونخبها الفكرية والثقافية والسياسية، حين تتعاطى مع الإسلام وتشريعاته من خلال نوافذها الفكرية والفلسفية، التي تسمح بالإطلالة على المشاهد التي هيأوا عليها الأفكار، كما هيأوا عالم الأشياء، لتنال الإعجاب والإكبار، ومن ثمة الوقوع تحت سلطانها السالب. لكن الأعجب حين تفقد اللغة العربية دلالاتها عند نخبنا الفكرية والسياسية، فيغشى على أبصارهم وبصائرهم؛ إذ تصبح لا تؤدي لهم مفهوما ما يفهمونه إلا إذا أُلقي به من النافذة التغريبية، فتختلط بمناظرها، حتى وإن كان المنظر نشازا، لا ترتاح له الذائقة الجمالية السليمة . منذ أطلق العبقري مالك بن نبي رحمه اللّه تعالى [1905-1973] في فجر خمسينيات القرن العشرين دعوته الذكية، حول ضرورة قيام علم اجتماع خاص بالعالم الإسلامي، والنداء العبقري الحكيم، يكاد لا يعدو مرحلة “المراوحة”، بين محاولات تنظيرية، غرقت بها في مهامه الرؤى والتأصيلات، أو الاستنساخات (المشلفطة)- حسب تعبير سيد قطب- للمفاهيم والقوالب التي أنفق في ابتكارها عباقرة الغرب ومفكروه وباحثوه جهودهم الفكرية العلمية والمادية . لو قُدر للعالم الإسلامي منذ انبثاق هذه الفكرة العبقرية وأمثالها مما أبدعه مفكرو النهضة والإحياء الإسلامي التجديدي: قادة سياسيون حكماء فهموا (عبقرية الفكرة المبدعة) ودورها الاستراتيجي في بناء النهضة الإسلامية والعربية المعاصرة، وكذا استثمرت النخب الفكرية والعلمية العربية والإسلامية قدراتها العلمية والعقلية، في المسار الإبداعي الابتكاري، وفق معادلات، ومشكلات، وتركيبات مجتمعاتها النفسية والاجتماعية والثقافية (مفتاح شخصيتها) الخاص، لتم تأطير المعرفة في عالمنا العربي الإسلامي، والبحث العلمي في طرائق الإثمار المبدع المضيف للحصيلة الإبداعية الابتكارية الإنسانية. الغرب عنفوان طاغ معرفيا، وفكريا، واقتصاديا، وعلميا، وابتكارا، وعسكريا وسياسيا، لذا فهو يخاطب الإنسانية بدفع هذا العنفوان، والمجتمعات التي أحسنت استقبال هذا العنفوان بحسن فهم، وحكمة استيعاب، وحذاقة استفادة، وروح تطلع للإبداع والإضافة ذات القيمة الحقيقية، في المخرجات الإنسانية المعاصرة الواسعة والثرية؛ حققت بعض ما تصبو إليه من تطور، فضلا عن إلزامه بأدب الإصغاء إليها في الوقت اللازم؛ فبعد أن كان النموذج الياباني، ثم من نجا من النمور الآسيوية، وكذا الصين، ها هي دول أخرى تسير السير نفسه وفق المدركات التي ذكرنا كالهند والبرازيل . لكن يبدو أن أمتنا قد بلغت غايتها في تشكل شخصيتها (اللامبالية)، فلم يعد فيها منحى إلا وينطق ببلاغة نادرة بهذه الشخصية الغريبة العجيبة، ولا منجاة لها إلا باستنبات لسان بلاغة النهضة الحقيقي، تحدث به نفسها، عسى أن يستفيق عقلها من مأساته الحزينة، ويدرك آلامه وحقيقته كما هي، وألا مخرج له منها إلا بحسن فقه مفهوم النهضة المرادف للإبداع والابتكار وشروطهما الطبيعية