يطلّ علينا خلال أيّام قليلة سيّد الشّهور وأفضلها على مرّ العصور، شهر خصّه اللّه بخصائص عظيمة، ومزايا جليلة، يقول اللّه عزّ وجلّ: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”، ويقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “ذاك شهر يَغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم” رواه النسائي. شهر جعل اللّه سبحانه وتعالى صيامه فريضة، وقيام ليله تطوّعًا وفضيلة، تُفتَح فيه أبواب الجنان، وتُغلَق فيه أبواب النِّيران، وتصفّد فيه الشّياطين، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن شهر الصّيام: “أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، للّه فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ”. إنّ المتتبع لأحوال المجتهدين في الإعداد والاستعداد لهذا الشّهر الفضيل، تجدهم يتهيّأون له بالعبادات والصّيام، قال اللّه سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} آل عمران:133. وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} المطففين:26. وإنّ أهمّ الوقفات الّتي يحتاجها الصّائم للفوز بشهر رمضان هي أن تبدأ بضبط الفرائض والوقوف عند حدود اللّه تعالى ومحاسبة النّفس على ما اقترفته من ذنوب خلال الأحد عشر شهرا منذ رمضان الماضي، فلا يدخل رمضان الجديد إلاّ وقد تُبتَ من ذنوب العام، ونقِّ قلبك ونظّفه ممّا شابه من شهوات وشبهات، وتُب إلى اللّه ممّا نظرت له عينك بالحرام واستمعت له أذنك وامتدت له يدك وسارت إليه رجلك. ولا تبدأ أيّ عمل إلاّ وقد أصلحتَ نيتك، فلن يُقْبَل عملك إلاّ إن كان خالصًا صوابًا موافقًا للشرع، فتعلّم أحكام الصيام وعلمها أهل بيتك ومعارفك من الآن. وبَادِر بصلة رحمك، واحذر أشدّ الحذر من قطعها، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “خلق اللّه الخلق، فلمّا فرغ منه قامَت الرحم، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألاَ ترضين أن أصل مَن وصلك، وأقطع مَن قطعك؟ قالت: بلَى يا ربّ، قال: فذلك لك”. ثمّ قال أبو هريرة: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} محمّد:22” رواه البخاري. إلى جانب المبادرة في قضاء ما عليك من صيام إنْ كنتَ أفطرت في رمضان الماضي لعُذر شرعي، وذلك قبل دخول رمضان المقبل إن شاء اللّه. ولا تنسى تعويد نفسك– بدءًا من الآن- على طول الدُّعاء واحفظ من الأدعية المأثورة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فهي تحوي جوامع الكلم، وعلى تلاوة القرآن الكريم وختمه إن أمكن قبل رمضان، والإكثار من النّوافل استعدادًا لقيام رمضان، والمكوث في المسجد لفترات أطول بعد الصّلوات تحضيرًا للاعتكاف في رمضان إن شاء اللّه تعالى، بالإضافة إلى الصّوم لكي لا تجد عند إقبال رمضان بإذن اللّه مشقّة في صوم الأيّام الأُوّل كأن تصوم يومًا وتفطر يومًا أو اجعل شعبان أكثر أيّامك صومًا كما كان يفعله سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها قالت: “لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كلّه” رواه البخاري.