قال سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “ذاك شهر يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم” رواه النسائي. إنّ المتتبع لأحوال الفائزين في مسارات الحياة الدنيا المختلفة يجدهم يجتهدون في الإعداد والاستعداد، فالطالب المتفوق تجده يعدّ للسنة الدراسية قبل بدايتها والعدَّاء الماهر يعدّ للسباق قبل حينه، بينما إذا تعلّق الأمر بالعبادات والصيام تحديدًا تجد النّاس يتهيّأون له من الجانب المادي لا الروحي. تطلّ علينا هذه الأيّام النِّصف الثاني من شهر شعبان، وقليل منّا استعد لشهر رمضان المبارك شهر العتق من النيران، روحيًا من صوم وتلاوة قرآن وقيام ليل وذِكر ومناجاة ربّ العالمين، حيث كان السلف الصالح رضوان اللّه عليهم بعيد رمضان يدعون اللّه أن يتقبّله منهم لستِّة أشهر، ثمّ في الستة أشهر الباقية يدعونه أن يُبلّغهم رمضان القادم، فانظر مدى استشعارهم لمكانة رمضان وأيّامه الغالية. قال اللّه سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} آل عمران:133. وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} المطففين:26. إنّ أهم الوقفات الّتي نحتاجها للفوز برمضان إن شاء اللّه تعالى: -البدء بضبط الفرائض والوقوف عند حدود اللّه تعالى ومحاسبة النّفس على ما اقترفته من ذنوب خلال ال11 شهر منذ رمضان الماضي، فلا يدخل رمضان الجديد إلاّ وقد تُبتَ من ذنوب العام، ونقِّ قلبك ونظّفه ممّا شابه من شهوات وشبهات، وتُب إلى اللّه مما نظرت له عينك بالحرام واستمعت له أذنك وامتدت له يدك وسارت إليه رجلك. -لا تبدأ أيّ عمل إلاّ وقد أصلحتَ نيّتك، فلن يُقْبَل عملك إلاّ إن كان خالصًا صوابًا موافقًا للشرع، فتعلّم أحكام الصيام وعلمها أهل بيتك ومعارفك من الآن. -بَادِر بصلة رحمك، واحذر أشدّ الحذر من قطعها، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “خلق اللّه الخلق، فلمّا فرغ منه قامَت الرحم، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألاَ ترضين أن أصل مَن وصلك، وأقطع مَن قطعك؟ قالت: بلَى يا ربّ، قال: فذلك لك”. ثمّ قرأ أبو هريرة: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} محمّد:22” رواه البخاري. -المبادرة في قضاء ما عليك من صيام إنْ كنتَ أفطرت في رمضان الماضي لعُذر شرعي، وذلك قبل دخول رمضان المقبل غن شاء اللّه. -عَوِّد نفسك– بدءًا من الآن- على طول الدعاء واحفظ من الأدعية المأثورة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فهي تحوي جوامع الكلم. وعلى تلاوة القرآن الكريم وختمه إن أمكن قبل رمضان. وعلى الإكثار من النّوافل استعدادًا لقيام رمضان. وعلى المكوث في المسجد لفترات أطول بعد الصّلوات تحضيرًا للاعتكاف في رمضان إن شاء اللّه تعالى. وعلى الصوم لكي لا تجد عند إقبال رمضان بإذن اللّه مشقّة في صوم الأيّام الأُوّل كأن تصوم يومًا وتفطر يومًا أو اجعل شعبان أكثر أيّامك صومًا كما كان يفعله سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها قالت: “لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كلّه” رواه البخاري.