نعم اللّه كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى، فهناك من النّاس من يظنّ أنّ النّعم هو ما يتمتّع به الإنسان فقط بل هذا ما توقفت عنده عقول البشر في هذا الزّمن، ولكن وأسفاه على حال الأمّة، فلو يتأمّل الواحد منّا حياة الصّحابة وتعاملهم مع المرض مثلاً لعلِم أنّ كلّ ما يُصيبه من قرح أو فرح فهو نعمة. فالمرض على سبيل المثال يظنّ البعض أنّه ليس بنعمة بل العكس فهو تكفير وغفران للذّنوب. وعلى هذا فللمرض حكم وفوائد: - استخراج عبودية الضرّاء وهي الصّبر: فإذا كان المرء مؤمنًا حقًّا فإنّ كلّ أمره خير، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: “عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلاّ للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له” أخرجه مسلم. - تكفير الذّنوب والسيّئات: مرضك أيّها المريض سبب في تكفير خطاياك الّتي اقترفتها بقلبك وسمعك وبصرك ولسانك، وسائر جوارحك. قد يكون المرض عقوبة على ذنب وقع من العبد، كما قال تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير}. ويقول المعصوم صلّى اللّه عليه وسلّم: “ما يصيب المؤمن من وَصب، ولا نصب، ولا سقَم، ولا حزن حتّى الهمّ يهمّه، إلاّ كفّر اللّه به من سيّئاته” أخرجه البخاري. - كتابة الحسنات ورفع الدرجات: قد يكون للعبد منزلة عظيمة عند اللّه سبحانه وتعالى، لكن العبد لم يكن له من العمل ما يبلغه إيّاها، فيبتليه اللّه بالمرض وبما يكره، حتّى يكون أهلاً لتلك المنزلة ويصل إليها. قال عليه الصّلاة والسّلام: “إن العبد إذا سبقت له من اللّه منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه اللّه في جسده أو في ماله أو في ولده، ثمّ صبّره على ذلك، حتّى يبلغه المنزلة الّتي سبقت له من اللّه تعالى” أخرجه أبو داود. - سبب في دخول الجنّة: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثّواب لو أنّ جلودهم كانت قرِّضت بالمقاريض” أخرجه الترمذي. - النّجاة من النّار: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عاد مريضًا ومعه أبو هريرة، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “أبْشِر فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: هي ناري أسلّطها على عبدي المؤمن في الدّنيا لتكون حظّه من النّار في الآخرة”. السلسلة الصّحيحة للألباني. - ردّ العبد إلى ربّه وتذكيره بمعصيته وإيقاظه من غفلته: ومن فوائد المرض أنّه يردّ العبد الشّارد عن ربّه إليه، ويذكّره بمولاه بعد أن كان غافلاً عنه، ويكفّه عن معصيته بعد أن كان منهمكًا فيها. - البلاء يشتدّ بالمؤمنين بحسب إيمانهم: قال عليه الصّلاة والسّلام: “إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ اللّه إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرّضا، ومَن سخط فله السّخط” أخرجه الترمذي. - بُشرى للمريض: ما كان يعمله المريض من الطّاعات ومنعه المرض من فعله فهو مكتوب له، ويجري له أجره طالما أنّ المرض يمنعه منه، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: “إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا” رواه البخاري. والواجب على المريض تجاه ما أصابه من مرض هو أن يصبر على هذا البلاء، فإنّ ذلك عبودية الضرّاء. والصّبر يتحقّق بثلاثة أمور: حبس النّفس عن الجزع والسّخط، وحبس اللّسان عن الشّكوى للخلق، وحبس الجوارح عن فعل ما ينافي الصّبر. أمّا أسباب الصّبر على المرض فهي العلم بأنّ المرض مقدّر لك من عند اللّه، لم يجر عليك من غير قبل اللّه، قال تعالى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّه لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون}، وقال عليه الصّلاة والسّلام: “كتب اللّه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنة” أخرجه مسلم. وأن تتيقّن أنّ اللّه أرحم بك من نفسك ومن النّاس أجمعين، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبيٌ، فإذا امرأة من السّبي وجدت صبيًا فأخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النّار؟ قلنا: لا وهي تقدر أن لا تطرحه، فقال: للّه أرحم بعباده من هذه بولدها” أخرجه البخاري. وأن تعلم أنّ اللّه اختار لك المرض، ورضيه لك واللّه أعلم بمصحتك من نفسك. وأن اللّه أراد بك خيرًا في هذا المرض. وتَذَكَّر بأنّ الابتلاء بالمرض وغيره علامة على محبّة اللّه للعبد، قال عليه الصّلاة والسّلام: “إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ اللّه إذا أحبّ قومًا ابتلاهم” أخرجه الترمذي.