تعددت طرق تعنيف المرأة، وتنوعت أشكال التفنن في “تعذيبها” من قِبل الرجل، وتمثلت جل معاناتها في ظلم الزوج لها. وفي خضم البحث عن الحلول، للحد من الظاهرة، استفحلت موجة عنف من نوع آخر، هي التهجم والقساوة غير المعقولة التي يمارسها الأخ “الراشد” ضد شقيقته. ظاهرة عجزت عن حلها الجمعيات والهيئات المناهضة لمثل هذا التعسف، بل أدت، في كثير من الأحيان، إلى تصدع الكيان الأسري وتفككه. تتعرض المرأة لمختلف أشكال العنف، وإن كانت تعددت الأسباب، منها جهل الرجل، وعدم معرفته كيفية التعامل مع الآخر، ناهيك عن أسس “التربية العنيفة” التي نشأ عليها، والتي تولد لديه حالة العنف والاضطهاد، إضافة إلى بعض العادات والتقاليد التي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر على الأنثى، وأيضا المشاكل الاقتصادية والبيئية التي لم تكن بمنأى عن العوامل التي ساهمت في الضغط على الرجل، ما جعله يصب غضبه على المرأة باعتبارها “الأضعف”، فكانت النتيجة معاناة المرأة من أقرب الناس لديها، وأحبهم إلى قلبها. الظلم الجائر لشقيقته أردت البيت جحيما بينما كنا نتجول في شوارع العاصمة؛ في شارع ديدوش مراد بالتحديد، استوقفنا محل ألبسة نسائية، أغرتنا التنزيلات على واجهة المحل، وبينما نحن نبحث عما يثير إعجابنا، وسط الزخم الهائل لمختلف التصميمات، أثارت انتباهنا أم مع ابنتها سلمى، في 24 من عمرها، وهما في منتهى الحيرة إن كانا قد اختارا الفستان المناسب أم لا. سألتني عن رأيي فيما اختارته لابنتها، فأجبتها، وبدأت تسألني مرارا، وتكرارا، فأخبرتها، لمَ هي متوترة، وأن الأمر لا يستحق القلق، فأجابتني، والبؤس يملأ عينيها: “أنت لا تعرفين أي أخ تملك، لقد جعل حياة أخته جحيما، بانتقاده لكل صغيرة، وكبيرة تتعلق بها.. انظري إلى تسريحة شعرها التي فرضها عليها، جعلها أضحوكة أمام صديقاتها وزميلاتها في الجامعة، وهذا الأمر قد أثر على نفسيتها كثيرا، وعلى تحصيلها العلمي، عجزنا كيف نرضيه”. آسفة أخي.. لأنني ولدت أنثى نوال، البالغة من العمر 28 عاما، من اللواتي عانين من تسلط أخيها، وظلمه الجائر، أخبرتنا أنها ذاقت الأمرين من تصرفات شقيقها المستفزة، وإهاناته لها دون سبب، ودفعتها تلك المعاملة إلى التفكير في الهروب والتخلص من الضغط الدائم، الذي لا تعرف سببه، حيث قالت: “لم أذكر كيف مرت علي السنوات، وأنا أعيش تحت سقف أبي، لم أستمتع بأية زاوية، أركن في بالبيت مع عائلتي، ولا تحضرني أية ذكرى جميلة، إلا وتخللتها أحزان وضرب وخوف من مجهول صنعه لي أخي”، مردفة: “يوم جاءوا لخطبتي شعرت بسعادة لا توصف، وكأن اللّه بعث الحل من عنده، وترأف بي مما تحمله غيابات الشوارع، التي كنت أنوي الاحتماء بها. لم أسأل عن أصله ولا فصله، لم تهمني معرفة شيء عنه، كل ما كان يهمني هو الخروج من البيت وفقط، اعتبرت في ذلك الوقت أن أي رجل مهما كانت قساوته سيكون أرحم بكثير من قسوة أخي، والحمد للّه، استجاب اللّه لدعائي”. “حرمت من ابنتي وأنا على قيد الحياة” السيدة مليكة، واحدة من ضحايا العنف “الأخوي”، وإن لم تحمل صفة الأخت، بل كانت الأم لكليهما، تقول: “معاملة ابني لأخته لم تكن لتؤذيها هي فحسب، بل كانت تؤذيني بالدرجة الأولى، لطالما توسلت إليه، وقبلت يديه ليرأف بها، لكن عبثا حاولت”، وأضافت: “أخبرته عن مشكلته، وإن كان باستطاعتنا أن نتناقش في هدوء كعائلة متحضرة، ثم نقوم بحلها، فكان رده دائما أن “أخته هي المشكلة”، وقالت: “توسّلته؛ ما الذي تريدني أن أفعل بها حتى ترضى؟ وعندما ضاقت بي السبل، وعجزت عن إيجاد حل لهذا الجحيم الذي حل على عائلتي قررت أن أرسلها إلى جديها، لتسكن معهما، صحيح أنها ستفارق صديقاتها ومعهدها، وبيتها بالدرجة الأولى، إلا أنه ما باليد حيلة”، أردفت تقول وهي تبكي: “أكثر ما يحزنني، أنني حرمت من ابنتي الوحيدة وأنا على قيد الحياة، غير أنه بالرغم من اشتياقي لها، ولحديثها، إلا أن راحتها النفسية، ونشأتها في جو مريح أهم عندي، ما عساي أفعل، سأصبر إلى أن يهديه اللّه، ويعرف خطأه”. غفر اللّه لك يا أبي.. سلبيتك دمرت حياتي خالتي غنية، البالغة من عمرها 48 عاما، عانت ومازالت تعاني من تسلط واضطهاد واستغلال أخيها؛ عندما تلمحها للوهلة الأولى تدرك معاناتها من أزمة نفسية، حديثها المتسارع، والمتقطع يوحي إليك أنها امرأة ناقمة وتحمل حقدا كبيرا. سألناها بطريقة غير مباشرة، لتجنب ردة فعلها، ماذا تفعل في حياتها، وهل لديها أولاد، فأجابتنا بتهكم: “لمَ يكون لدي أولاد، ومن يربي أولاد أخي؟!”، سألتها، ما علاقة أولاد أخيك بأن تنجبي أطفالك، أخبرتنا، بأن أخيها كان السبب وراء رفض جميع من تقدموا لخطبتها، بحجة أنهم يفتقرون لمواصفات الزوج، و«لم أكن أدرك أنه كان يتعمد ذلك حتى يحجز مربية لأبنائه، خادمة لزوجته في المستقبل. لكن أتعلمين شيئا، مهما بلغ كرهي، واشتد حقدي عليه، إلا أنه لا يقارن بمدى نقمتي على أبي لأنه السبب الأكبر وراء معاناتي”، وأضافت “لو كان أبي مريضا أو عاجزا لتفهمت الأمر واستسلمت لقضاء اللّه وقدره، لكن المصيبة أنه كان بكامل صحته وقدراته العقلية، ومع ذلك لم يفعل شيئا لحمايتي، والوقوف إلى جانبي، حياتي كلها متوقفة على سؤال واحد لم أجد إجابة له لماذا تخلى عني وأنا في أمسّ الحاجة إليه”. المختصة في علم النفس سميرة فكراش “لا بد من اكتساب آليات جديدة في التربية” أرجعت المختصة في علم النفس سميرة فكراش أسباب السلوك العنيف غير المبرر الذي ينتهجه الأخ اتجاه أخته إلى نمط التربية، فبالرغم من أن الأسرة تنتمي إلى الجيل الجديد إلا أن الكثير من الأزواج يتخذون الطريقة التقليدية سبيلا لتنشئة أبنائهم، مشيرة إلى أن الخطأ يكمن في إعطاء الذكر الأحقية في تسيير العلاقات داخل الأسرة، ومنحه الأولوية في الامتيازات على حساب الأخت، ناهيك عن الحرمان وعدم الإنصاف. كما أوضحت، في السياق ذاته، أن معاملة غير متساوية مجحفة في حق الأخت من شأنها أن تولد صراعات ونزاعات عميقة بين الإخوة، بل تتعدى إلى أقصى درجات التنافس، ألا وهي الغيرة والاستحواذ. وعن تبعات هروب الأولياء من مسؤولية قيادة الأسرة، أوضحت سميرة فكراش، ل«الخبر”، أن ذلك ناجم عن ضعف شخصية الوالد وعدم القدرة على مواجهة مختلف المواقف، ما يؤدي إلى مناوشات وخلافات ترمي إلى تدمير العلاقة الجميلة والاستثنائية بين الأخ الأخت، ناهيك عن تدمير صورة الفتاة، ما يسبب لها أزمة نفسية في المستقبل. المختص في علم الاجتماع عمر أوذاينية “المؤسسات الاجتماعية تقاعست عن حماية الفئات الهشة” أوضح المختص في علم الاجتماع الأستاذ عمر أوذاينية أن مثل هذه الإشكالات التي تحدث في العلاقات الأسرية تتجلى في النمط الثالث، أو القشر الفارغ، هي العائلة المتماسكة ظاهريا، والمفككة داخليا، حيث يقوم هذا النوع من الأسر بسد الحاجات الأساسية دون حماية الأسرة من الأخطار الخارجية، التي تهدد كيانها ومستقبلها. وعن سعي الابن الراشد لتقمص دور الأب أو الأم، يقول أوذاينية، إن ذلك راجع لتخلي أحد الآباء عن مسؤولياته بسبب الفراغ العاطفي داخل الأسرة وانصرافهما للبحث عما يجسد المعنى لحياتهما. ويرى عمر أوذاينية أن ملاحظة الأخ لمختلف السلوكات المرضية وغير السوية في المجتمع، في ظل تفسخ القيم الأخلاقية للرجال والنساء، من شأنه أن يجعله يسقط مخياله الاجتماعي على سلوك أخواته تفاديا أو تناسيا منه للواقع، الذي يتنافى مع قيم الشرف والعفة والرجولة والأنفة، التي طبعت تنشئته الاجتماعية، مشيرا إلى أن كل هذه التناقضات من شأنها أن تؤثر في الحالة النفسية والاجتماعية للأخ الراشد، فيصبح طبعه متسما بالقسوة، محاولا ملء الفراغ النفسي والاجتماعي، ما يترجم بالهجوم والتهجم على أخواته. وعبر أوذاينية عن قلقه إزاء الدور الكبير والتأثير اللامعقول الذي تلعبه جماعة العمل أو الأصدقاء أو جماعة الحي في شخصية الأخ الراشد، وذلك بفرض قراراتهم وآرائهم على الأسرة، حيث يصبح جزءا من حاجاته النفسية والاجتماعية ضمن هذه المجموعة، وأي سلوك مناف لمبادئ هذه الأخيرة داخل الأسرة أو خارجها يؤثر على طبيعة هذه العلاقة. وعن الحلول لمواجهة مثل هذه الإشكالات في العلاقات الأسرية، دعا أوذاينية، في تصريح ل«الخبر”، مختلف مؤسسات الدولة التربوية إلى حماية الفئات الاجتماعية الهشة، بالتشجيع على الاحترام المتبادل، وعلى التنشئة السليمة المبنية، وعلى إقامة العلاقات المتوازنة اجتماعيا ونفسيا، في ظل التربية الحديثة التي تعلم القيم والاحترام، ناهيك عن المؤسسة السياسية التي هدفها تنفيذ مشروع مجتمعي يكفل التطور والنمو الدائم للمجتمع، في حين يتمثل دور مؤسسات المجتمع المدني في كيفية إدارة شؤونها لدى مختلف شرائح المجتمع دون استثناء، والسهر على أن تطبق قوانين الدولة في شكلها الصحيح، ومن هنا يصبح دور المجتمع المدني مراقبة المجتمع السياسي في تطبيقه للقوانين على المجتمع ككل من خلال آليات عدة.