تنذر آخر التقارير والإحصاءات ببلوغ الجزائر مرحلة حرجة تفشت فيها ظاهرة استهلاك المخدرات بشكل رهيب، فلا الجمارك ولا مفارز الجيش الوطني المنتشرة على طول امتداد الشريط الحدودي الغربي، ولا الحواجز الأمنية، ولا حتى شرطة الحدود تمكنت من كبح نشاط المهربين الذين احترفوا تمرير السموم بالأطنان “بسلام وأمان” إلى عمق التراب الوطني، ليجنوا منها مليارات الدولارات. فهل خسرت الحكومة حرب المخدرات؟ تعتبر المسالك الحدودية البرية الغربية على مستوى ولاية تلمسان من أهم المنافذ التي تراهن عليها عصابات التهريب والمتاجرة في المخدرات ما بين المغرب والجزائر لاعتبارات عديدة، لعل أهمها قرب المنطقة من حقول زراعة القنب الهندي بالأقاليم الشرقية للمملكة المغربية، إضافة إلى امتداد هذه الحدود على طول 170 كلم من شاطئ مرسى بن مهيدي شمالا إلى تراب بلدية العريشة جنوبا في حدود ولاية النعامة، أغلبها غير آهلة بالسكان وتنعدم فيها معالم حياة التنمية الفلاحية والاقتصادية. 27 مسلكا للمهربين وقد راهنت السلطات العليا في البلاد على إنجاز خندق يفصل البلدين على الحدود، أوكلت مهمته لوحدات الجيش الشعبي الوطني بداية سنة 2013، وحُفر الخندق لكن “الكيف” المغربي مازال يتدفق بالأطنان عبر حدود مغلقة في النهار مفتوحة في الليل. في الشارع الرئيسي ببلدية حدودية بولاية تلمسان توقفت لشراء البرتقال، وكان سعره لا يتجاوز 120 دينار، قلت للبائع هذا منتوج مدينة بركان المغربية، نظر إلي مبتسما وقال نعم، أحرجته بسؤال ثانٍ والحدود والخندق؟ أجاب بعفوية “ماكاين لا حدود لا خندق كل شيء يدخل ويخرج”. وهنا حامت في ذهني مقولة وزير الداخلية نورالدين بدوي التي استهل بها لقاءه الصحفي مع وسائل الإعلام بعد اجتماع مغلق مع مسؤولي الأجهزة الأمنية بمقر دائرة مغنية الحدودية بداية شهر ديسمبر، حين قال: “الدولة الجزائرية في حالة حرب ضد التهريب” و«مداخيل التهريب والمخدرات خاصّة تموّل نشاطات الجماعات الإرهابية؟”. وكان نشطون من المجتمع المدني من مدينة مغنية قد راسلوا، الصائفة الماضية، نائب وزير الدفاع الوطني لطلب فتح تحقيق في قضية ما أسموه فجوات وثغرات على الحدود، يعبر من خلالها المهربون والمتاجرون في الوقود والمخدرات، وكانوا قد أحصوا سبعة وعشرين مسلكا يتسلل منها المهربون، مثل الزوية، روبان، الحرشة على الأراضي الجزائرية، وتقابلها مسالك وادي بونعيم ووادي ايسلي على التراب المغربي، ومنها تعبر المخدرات من المغرب إلى الجزائر. “المقدم”.. الخبير بواقع الحدود وحسب مصادرنا في الحدود، فإن المخزن المغربي يعتمد على من يسمى “المقدم” وهو شخص مدني يشرف على متابعة مرور المخدرات ويقبض الثمن من عصابات التهريب. و”المقدم” شخص خبير بواقع الحدود على الضفتين، وبيده مفتاح عبور كميات “الزطلة”، وهي التسمية الشعبية للمخدرات من نوع القنب الهندي المنتج في الأراضي المغربية، كما يشرف على تأمين إقامة بارونات المخدرات الفارين من العدالة الجزائرية. وبلغة الأرقام، حجزت مصالح الشرطة في تلمسان سنة 2014 قرابة 350 قنطار من المخدرات، في حين تم حجز 207 قنطار من الكيف المنتج والمهرب من المغرب لسنة 2015، إضافة إلى كميات معتبرة من مادة الكوكايين. وزيادة على الحرب التي تقودها مصالح الأمن المختلفة بالولاية ضد الظاهرة، انخرطت فعاليات المجتمع المدني وحتى المنتخبون في ملف المحاربة، من خلال تخصيص نقاش مستفيض بالمجلس الشعبي الولائي للقضية، ومن خلال حملات تحسيسية في الجامعات والشواطئ والنوادي الشبانية، حملات هي أيضا لم تنزل من مؤشر تصاعدي للكميات المحجوزة من المخدرات. ويترقب الرأي العام المحلي بتلمسانوالجزائر مطلع السنة المقبلة لمتابعة نتائج مؤتمر دولي حول تهريب المخدرات، من تنظيم وزارة العدل ومساهمة ولاية تلمسان والمنظمة الجهوية للمحامين وبحضور خبراء دوليين. أسرار عمليات مكافحة تهريب المخدرات أكثر من 90 بالمائة من عمليات ضبط الكيف المغربي يكون اتجاهه الحدود بين الجزائر وليبيا، ومنها يصل إلى مصر ويوزع عبر صحراء سيناء باتجاه الأردن، إسرائيل ودول الخليج، والأرباح التي يحصل عليها المغاربة من وراء عمليات تهريب الكيف أو القنب الهندي كبيرة لدرجة لا يمكن تصورها. ويقول مصدر مقرب من نشاط مكافحة تهريب المخدرات “قد لا يصدق البعض أن الأرباح التي يحصل عليها المهربون تصل إلى مليار دولار سنويا”. ويقدم مصدرنا الدليل على ذالك بالقول: “إن 1 كلغ من القنب الهندي المعالج يباع في العربية السعودية بما يوازي 5 آلاف دولار، ثم يزيد السعر مرة أخرى في الإمارات العربية المتحدة وباقي دول الخليج، بينما لا يتعدى سعره في الأراضي المغربية 400 دولار، أي أن السعر يتضاعف 12 مرة تقريبا”. فرضية الأنفاق غير مستبعدة من جهته، يكشف مصدر أمني ينشط في ملاحقة العصابات الدولية المتخصصة في تهريب المخدرات ل«الخبر”، أن الفرضية الأهم التي يجري تداولها في الجزائر، هو وجود أنفاق سرية تربط الأراضي المغربية بالجزائرية، وتستغل في تهريب المخدرات بكميات ضخمة. ويضيف المتحدث أن هناك فرضيات أخرى، منها استغلال قوارب وسفن صغيرة مموهة تتسلل في الليل إلى شواطئ ولايات الغرب الجزائري، لتفرغ حمولتها من المخدرات ثم تعود، وتعزز هذه الفرضية باكتشاف كميات من الكيف المعالج في شواطئ ولايات وهرانومستغانموتلمسان، ويضيف مصدرنا أن “المهربين المغاربة بارعون في التسلل بالقوارب، حيث اكتسبوا تجربة كبيرة من خلال نشاط تهريب الكيف بين المغرب وإسبانيا”. ويعتقد المحققون العاملون على ملف مكافحة تهريب المخدرات أن أطنان المخدرات لا يمكن أن تمر بسهولة عبر الشريط الحدودي المحروس بين الجزائر والمغرب، إلا أن التسلل عبر البر يبقى هو الآخر محل بحث. فبعد وصول الكيف ينقل إلى مخازن سرية في وهران، مستغانم، غليزان والشلف ويبدأ القائمون على التهريب في التخطيط لنقله عبر البر إلى ليبيا، ويتقاضى السائق الذي ينقل الشحنة مبلغا يتراوح بين 300 و500 مليون سنتيم. “السيستام” أو المخبأ السري وتنقسم عملية التهريب إلى 3 أقسام، الأولى تبدأ بتزوير وثائق الشاحنة التي تنقل المخدرات لتضليل المحققين في حال كشفها، بعدها تبدأ مرحلة صناعة المخبأ ويسميه المهربون “السيستام”، الذي هو عبارة عن مكان سري لإخفاء المخدرات في الشاحنة، يتعذر كشفه حتى في حالة التفتيش العادية، لتأتي المرحلة الأخيرة بتجنيد السائق الذي يتم إغراؤه بالمال ويعطيه القائمون على العملية 3 هواتف نقالة يتم شراؤها بوثائق هوية مزورة، أحدها لا يشغل إلا في حالات الطوارئ، والثاني لتلقي التعليمات التي تتغير كل ساعة حول مسار الرحلة، وبهذا يعجز المحققون عن الوصول إلى الرأس المدبر للعملية، بينما يلقى القبض على شركائه، وتنتهي الرحلة في ولاية إليزي، حيث يتم تسليم المخدرات ويعود السائق بالشاحنة من حيث انطلق.