وضعت الحكومة المؤسسات العمومية الاقتصادية أمام الأمر الواقع، ودعتها إلى ضرورة البحث عن التمويلات الضرورية لتفادي الإفلاس أو غلق أبوابها، على اعتبار أنّ الخزينة العمومية لن تغطي مستقبلا العجز المسجل في كل سنة من قبل هذه المؤسسات، بسبب تداعيات تراجع مداخيلها بفعل استقرار أسعار البترول في مستويات متدنية، تجعل كلا من ميزان المدفوعات والميزان التجاري يسجلان عجزا سنويا. أحالت الحكومة، تبعا للظروف الحالية، المؤسسات الاقتصادية في القطاع العام إلى الاعتماد على بدائل أخرى غير دعم الخزينة العمومية، من خلال التوجه نحو خيارات فتحت السلطات العمومية الأبواب لها، على غرار فتح رأسمال المال عن طريق الدخول إلى البورصة، أو عبر اقتراح عمليات للقروض السندية، دون استبعاد التوجه إلى تمويلات خارجية ضمن قروض يستفيد منها هذا النوع من المؤسسات. وتعتمد السلطات العمومية في توجهها هذا، على كون هذه المؤسسات العمومية بالموازاة مع اعتبارها تقدم في معظمها خدمات عمومية، ذات طبيعة اقتصادية وتجارية، وهذه الصفة تفرض عليها تحقيق أرباح والمنافسة في السوق الوطنية على أقل تقدير، بصرف النظر عن توسيع نشاطها إلى الأسواق العالمية، في وقت تعرف غالبية المؤسسات العمومية الناشطة في مختلف المجالات، على غرار الطاقة، والنسيج، أو الصناعة وغيرها، عجزا ماليا، عادة ما يفرض عليها الاستنجاد بأموال الدعم من الخزينة العمومية. وموازاة مع ذلك، تفرض الحكومة على المؤسسات نفسها عدم اللجوء إلى رفع التسعيرات المطبقة، كما هو الشأن بالنسبة للمصير الذي تواجهه الشركة الوطنية للكهرباء والغاز “سونالغاز”، المجبرة على التقييد بالأسعار نفسها، على الرغم من أنّ المؤسسة تسجل عجزا يعود في المقام الأول إلى الديون المستحقة لدى الإدارات العمومية والهيئات والشركات التابعة للدولة، التي لا يمكن لسونالغاز التعامل معها عن طريق الإجراءات المتعلقة بقطع التيار أو رفع دعاوى قضائية، وإن كانت تلك التدابير قانونية. وقدمت الحكومة المثل في بحثها عن بدائل تعوض مداخيل الريع النفطي، الذي اعتمدت عليه في إنجاز المشاريع طيلة سنوات البحبوحة المالية، حين كان برميل البترول يسجل أسعارا تاريخية فاقت عتبة 140 دولار، فقد لجأت السلطات العمومية، ممثلة في وزارة المالية، إلى إطلاق القرض السندي الأول من نوعه، حمل اسم “القرض الوطني للنمو الاقتصادي”، واعتمدت في ذلك على تجنيد جميع الهيئات المالية لجمع أكبر قيمة ممكنة من أموال المواطنين أو الشركات الاقتصادية (الأشخاص المعنويين)، تحت “إغراء” الحصول على نسب أرباح أو فوائد سنوية تتراوح ما بين 5 إلى 5.75 في المائة.