المتأمل لممارسات السلطة اليوم في بلادنا، وتحديدا لما تعيشه جريدة ”الخبر” من محاولات لإسكاتها والضغط عليها.. المتأمل لهذه الممارسات القمعية، يتأكد من أن السلطة في بلادنا تفتقد الرؤية الثاقبة وأبسط الاستراتيجيات الفاعلة، وتهمش القوة الحية الفاعلة. السلطة هي التي دفعت ”الخبر” لبيع بعض أسهمها؛ لأنها تريد إسكاتها انطلاقا من استعمال سلاح الإشهار. ولأن المفسدين هم الذين كانوا وما زالوا يعبثون بأموال الإشهار ويمنحونها اليوم لمن يبحثون عن الإملاء والتطبيل والتزكية والموالاة، ليصل ”الخبر” إلى هذه الوضعية.. فدوائر النظام الفاشل إذن هي التي تواصل تضييقها على الصحافة، وهي التي دفعت ”الخبر” اليوم إلى هذه الوضعية القاتلة، وتواصل ممارساتها اليوم ومستقبلا لخنق صحف أخرى.. نعم إنها البداية فقط.. يذكّرنا هذا بالحادثة الشهيرة التي وقعت بين الجنرال ديغول وصحيفة ”لوموند” الفرنسية المعارضة له يومئذ، حينما جاءه أحد مستشاريه الإعلاميين المقربين مبتهجا، وقال له فيما معناه (وليس حرفيا): ”سيدي الجنرال.. أزف إليك خبرا سعيدا.. جريدة ”لوموند” المعارضة لكم أفلست وتعيش اليوم وضعية مالية خانقة.. إنها فرصة للتخلص منها”.. وكان رد الجنرال بصيغة الحاكم الحكيم: هذا خبر مزعج للغاية، لا معنى لفرنسا من دون جريدة ”لوموند”.. غياب الجريدة صبيحة الغد؟ يستحيل هذا، حتى ولو أنها جريدة معارضة لسياستنا.. علينا أن ندبر الأمر.. لابد من مساعدتها بكل الطرق والحيل بأي طريقة كانت.. لا يمكن تصور فرنسا من دون صحيفة لوموند غدا.. فكيف يكون موقف المواطن الفرنسي وفرنسا دون مطالعة ”لوموند” صبيحة الغد.. هذه كارثة وعليكم أن تتصرفوا بعقلانية ومسؤولية... أين نحن في بلادنا من هذه العقلانية والرؤية الفاعلة والثاقبة، فكل سلطة فاعلة عليها أن تشجع حرية التعبير والرأي والصحافة حتى وإن كانت السلطة فاشلة وفاسدة، بهذه الطريقة فقط تتوصل ل ”عقلنة” دواليبها ومؤسساتها.. مسكين نظامنا في الجزائر يفتقد لأبسط قواعد الذكاء. الكل يعرف أن السياسة الفاشلة والعابثة بالإشهار هي غير عادلة، وتمنح الملايير من الدينارات (أموال عمومية) لصحف مجهولة، بل منبطحة تسحب أقل من 2000 نسخة ولا توزعها، هذه السياسة هي التي دفعت ”الخبر” إلى هذه الوضعية؛ لأن خطها الافتتاحي يرفض خدمة الأمير والسلطان. النظام لم يستفد من أخطائه السابقة في هذا الموضوع.. ألم يستفد من تجربته السابقة عندما موّل أحد ”الإعلاميين” المزيفين عندما ضخ له الملايير، وبمجرد مشاركة هذا الأخير فولكلوريا في مسيرة مناهضة له، توقفت جريدته؛ بل وجرائده، بالرغم من أن الإعلامي المذكور مقرب من أصحاب القرار والحاشية. ولأننا في بلد المعجزات، يبدو أن هذا الإعلامي حفظ الدرس واعترف بعمله.. غير أن السلطة لم تستوعب الدرس، كما استوعبه صاحبنا ”الإعلامي”. عليكم مراجعة موقفكم يا أصحاب القرار؛ بل التوقف عن هذه الهجمات ضد ”الخبر”. وليعلم الجميع أن ”الخبر” مثل بقية العناوين الإعلامية الأخرى المستقلة، قد واكبت كل التطورات في المجتمع، بكل ما تحمله هذه التطورات سوسيولوجيا من إيجابيات وسلبيات، وعلى العدالة أن تفكر جيدا.. أقول جيدا؛ لأنها اليوم أمام امتحان عسير وحرج، بل أقول فرصة مواتية لتطهير ساحتها من الداخل لتكسب الحد الأدني من المصداقية.. والشرعية أمام الشعب.. أمام قرّاء ”الخبر”ن وتعرف جيدا أن قرّاء ”الخبر” ليسوا فقط نخبة المدن الكبرى والصغرى.. إنهم سكان الجزائر العميقة من بريكة إلى العاصمة، مرورا بسكان مداشر وقرى الجزائر العميقة.. المس ب ”الخبر” ”خطر” يا جماعة وعلى السلطة والعدالة أن تفكر جيدا في تعاملها مع هذه الضيفة.. إن ما يسمونه اليوم بقضية ”جريدة الخبر”، أو كما قال أحدهم ”جريدة الخطر”.. هذا الزمن.. زمن الذين.. لا أسميهم.. فقط أقول الذين خانوا وتنكروا للأستاذ العارف والحكيم عبد الحميد مهري وكل الذين جاءوا بالبيدق الذي دافع البارحة عن ”الجندي” المسكين المستعمل.. (وهل يدافع البيدق عن الجندي). [هو عنوان لفيلم سبق أن شاهدته منذ سنوات مضت أعيد إنتاجه في زمننا هذا]. من المفروض أن المثقف والكاتب؛ بل والروائي، لا ينفعل للرقصات السعداوية الفلكلورية، بل يفعل ”براكسيسيا” كمثقف انتيلنجنسي.. أين نحن من زمن المثقفين، وعلى رأسهم الروائيين الفاعلين الذين غيّروا العالم وصنعوا التاريخ بإبداعاتهم، ورفضوا أن يصبحوا بيادق الأمراء وكتّاب السلاطين. وأخيرا، فإن هذه القضية.. قضية ”جريدة الخطر” كما تقولون.. إن لم تنتبهوا إلى معطياتها جيدا وبحكمة ومسؤولية كأصحاب قرار في السلطة (كلامي موجه للعدالة خاصة)، لا تصبح ”جريدة الخبر” خبر الجزائر العميقة؛ بل تصبح ”خطرا” عليكم و«خطرا”، ليس فقط جزائريا، بل إقليميا.. حذار.. حذار.. مرّ الربيع العربي وتعرفون جيدا نتائجه.. خريف الغضب الجزائري أخطر وأخطر.. مهّلوه ولا تسرعوه.. وبسياستكم الحالية، نقول إنه قادم لا محالة إن لم تنتبهوا.. وتتفطنوا.. الجزائر بلادنا ولا منفعة لكم من الضفة الشمالية.. هذه نصيحتي المتواضعة من أجل مستقبل بلادنا.. وأولادنا. تقولون إن الجزائر تعيش أزمة.. الجزائر لا تعيش أزمة، الجزائر فقط على عتبة الخطر يا جماعة إن تماديتم في ممارساتكم وعبثكم.. انتبهوا جيدا وأعيدوا النظر في قضية ”الخبر”.. إنها قضية شعب إن كنتم تعرفون معنى ”قضية شعب”. هذا عن الحاضر.. فماذا أنتم فاعلون بنا مستقبلا وبالصحف الأخرى.. اتركوا العدالة وشأنها، فهي الفاصل في موضوع ”الخبر”.. خطر عليكم إن قمعتموها أو حاولتم إسكاتها و تعويضها بصوت الزوايا.