يعيش البدو الرحل بالوادي، وخاصة بالمناطق الجنوبية لبلدية دوار الماء الحدودية، أوضاعا مزرية للغاية في شهر الصيام داخل زرائبهم، جراء الفقر وأمراض سوء التغذية وتفشي الأمية والمعاناة بسبب قلة الزاد. فضلت “الخبر” أن تستطلع أوضاع البدو الرحل في شهر الصيام بالصحراء الجنوبية الشرقية الحدودية لولاية الوادي، فليس الأمر بالسهل قطع مسافة نحو 200 كلم من عاصمة الولاية عبر التلال الرملية الوعرة، في الصيام وتحت حرارة شديدة لبلوغ مواقع البدو الرحل، أين تتجمع بعض عائلاتهم خلال شهر رمضان حول آبار المياه يستأنسون ببعضهم في جو من التضامن حتى يسهل على فاعلي الخير العثور عليهم في مجموعات صغيرة. في بئر “الأغواث”، حيث تتواجد أربع عائلات قرب بعضها البعض، يوشك أن يفتك بها الجوع والأمراض، تبدو شفاه النساء والأطفال متيبّسة وأجسادهم امتصها الجوع وأمراض سوء التغذية وهم قابعون تحت الزرائب المصنوعة من الحلفاء والحطب تحت وقع حرارة شديدة تتسلل إليهم من الشقوق في شكل حزم كبيرة طولية ساخنة جدا. دخلت إلى الزريبة عجوز تدعى بوكة كانت رفقة بعض النساء والأطفال، سألتها “بماذا تفطرون وتتسحّرون في رمضان؟ ” قالت في زفرة كبيرة “شربة قمح وكسرة ملّة ننضجها تحت رماد النار، والسحور كذلك شاي مع بعض الكسرة”.. ليس لدينا شيء نعطيه لأطفالنا في النهار يا وليدي سوى وجه الله”، ثم تقسم “والله يا وليدي لو أحصل على سكن في بلدية دوار الماء ما بقيت هنا لحظة واحدة”. أما الحاج لخضر فيقول “إن الوضع مزر للغاية .. من حين لآخر تتكرم علينا بعض قوافل الخير بمساعدات متواضعة بارك الله في أصحابها” أما عيشة فتبكي أمامنا وهي تقول “أنا عيني مريضة وابني مريض ولا أدري ماذا أفعل له، منذ شهر أصيب بمرض غريب.. هنا لا أملك سوى بعض النعجات والماعز ويغيب أطفالي بالقطيع طوال النهار بعيدا جدا عنا بحثا عن الكلأ بسبب حالة الجفاف”. وعلى بعد نحو 3 كيلمترات من هذا المكان، توجهنا الى بعض العائلات الأخرى في زرائبهم ببئر الملبس ومجاهدين والدلال، والأوضاع فيها لا تختلف عن سابقيهم. الطفل الراعي بشير شبه العاري بثيابه القديمة البالية، يجهلون حتى عمره يحمل على صدره بعض التمائم وخنجرا صغيرا مخفيا في غمده، ولكن والده حمه أوضح لي أن عمره حوالي 14 سنة، سألت بشير ماذا تفعل بالخنجر؟ قال “أذبح به الشرشمان الذي أصطاده وأشويه على نار الحطب وآكله بعد الإفطار، جل الأطفال يفعلون مثلي”. ولكن الأغرب في حياة هؤلاء التعساء المهمّشين هو عدم معرفة غالبية النساء والرجال ببديهيات الدين بسبب الجهل والأمية المتفشية، حيث لا يعرفون حتى كيفية الصلاة وعدد الركعات لكل منها ولا حتى حفظ سورة الفاتحة الواجبة للصلاة. قالت فاطمة، متزوجة ولها عدة أولاد “نعرف فقط قول الحمد لله رب العالمين لا أكثر ثم نكثر من الدعاء والنية ونقول الله أكبر وكل واحد يتوقف كما يريد” ولم تستطع فاطمة تحديد عدد الركعات الخاصة بكل صلاة، وسألت شابا يدعى هادي وهو شاب في مقتبل العمر، هل تعرف الصلاة؟ ضحك وأجابني بسؤال، ومن أين لي أن أعرف؟”. وحسب العم المنجع المطلع على شؤون البدو نظرا لتنقلاته بين البادية والمناطق الحضرية، فإن البدو الرحل بحاجة إلى مساعدات من نوع آخر مثل دعمهم ببعض الحمير لنقل المياه من الآبار البعيدة جدا، وبعض الخيم العاجزين عن صناعتها وشرائها لتعويض الزرائب وكذلك المساعدة في بعض أمور العبادة وخاصة كيفية الصلاة، من خلال الحملات الخيرية والتكفل بتعليم بعض الأطفال في المدارس القرآنية، إضافة الى تكثيف القوافل الصحية.