أطفال لا يعرفون طعم البسكويت تتناثر عبر تراب صحراء وادي سوف مئات العائلات من البدو الرحل، الذين يعانون من كل مظاهر الفقر والبؤس والعراء والأمراض والأمية والموت في صمت وعزلة، بين كثبان الرمال الوعرة، وعجز السلطات الرسمية عن إحصائهم وتثبيتهم في سجلات الحالة المدنية. تقف السلطات الرسمية بولاية الوادي عاجزة تماما عن إحصاء مجموع العائلات المبعثرة في الصحراء على غرار البدو الرحل في بئر لرقط الواقع 170 كلم إلى الجنوب من بلدية دوار الماء الحدودية، وفي عرصة المهنية بين بلديتي قمار وسيدي عون، وفي صحاري بلديات العقلة والنخلة رغم إحصاء بضعة آلاف منهم في وقت سابق. ويعيش المئات من تلك العائلات، على أمل إعادة الاعتبار لهم، خصوصا هؤلاء غير المسجلين في الحالة المدنية على مستوى صحاري بلديات العقلة وقمار ودوار الماء والطالب العربي الحدوديتين. وذكر بعض البدو الرحل بأن قوتهم اليومي لا يتعدى كسرة ''ملة'' تطهى تحت رماد الموقد مع شيء من حليب النوق، ولا يوجد في مخزونهم الغذائي القليل سوى بعض الزيت والسميد والسكر والشاي. كما عجز بعضهم توفير خيمة لتكون له ولأولاده مأوى بسبب فقره المدقع، لذلك فهم يكتفون بالمبيت مع عائلاتهم في زرائب مشكلة من الحطب وحلفاء الصحراء، تتسرب إلى داخلها مياه الأمطار والبرد في الشتاء. وحسب متطوعين من الهلال الأحمر الجزائري بالوادي الذين زاروا العديد من عائلات البدو الرحل، أين قدمت لهم هذه الهيئة الخيرية كميات من الغذاء والكساء والفحص العلاجي والدواء، فإن الفقر المدقع لهذه العائلات لا يمكن أن يتخيله أحد، ناهيك عن انتشار أمراض القرع والعيون والقمل وسوء التغذية والمبيت في العراء. وفي مشهد غريب، ذكرت إحدى المتطوعات من الهلال الأحمر، بأنها قدمت كمية من البسكويت لأطفال وفتيات بدويات، فلم يستطيعوا التعرف عليه لأنهم لم يتذوقوه طيلة حياتهم. وأشار عدد من هؤلاء المعذبين في الأرض الذين التقيناهم في سوق الوادي للتمون ببعض المواد الغذائية الأساسية، بأنهم يعيشون خارج الزمن، ولا يعرف العديد منهم حتى اسم رئيس الدولة، وهم يتزاوجون ويتوالدون بطرق الولادة التقليدية ويدفنون موتاهم في فيافي ومتاهات الصحراء بعيدا عن ملامح التحضر والمدنية، حتى إنهم يفضلون الاختفاء إذا لاحظوا الأجهزة الأمنية في الصحراء خوفا من أن تطلب منهم وثائق هوياتهم التي لا يملكونها أصلا. كما يلجأ بعض البدو الرحل القريبين من الشريط الحدودي التونسي إلى داخل هذا البلد للعلاج من الأمراض الفتاكة بالمراكز العلاجية التونسية، ولا ينقل البدو الرحل مرضاهم إلى مثل هذه المصحات، إلا إذا أشرف على الموت، هذا بالنسبة للمحظوظين منهم. أما غالبية البدو الرحل فيصارع مرضاهم صغارا وكبار الأمراض إلى غاية الموت، كما قالوا.