تحدّث وزير الثقافة الإيراني، رضا صالحي أميري، الذي يقوم بزيارة للجزائر منذ يومين، بكثير من العمق عن فكرة مواجهة الإرهاب والتطرف عن طريق التعاون العلمي والفكري بين بلاده والجزائر، وتعزيز الحوار والنقاش الوسطي والمعتدل. وقال في حوار مع “الخبر”، إن إيران على استعداد دائم للتعاون مع الجزائر، خاصة وأن البلدين يتفقان على محاور عديدة فيما يخص السياسة الخارجية والاقتصادية، وأيضا تدعيمها بالتعاون الثقافي الذي سيكون ثريا عبر مجموعة من الاتفاقيات، أولها في المجال السينمائي، حيث أصبحت إيران من أهم الدول التي تعرف تطورا كبيرا في الصناعة السينمائية، كما تطرّق إلى أهمية الثقافة ودور إيران في مواجهة الإرهاب في العالم الإسلامي وتعاونها مع الجزائر في هذا الإطار. أنتم في الجزائر من أجل تعميق وتعزيز العلاقات الثقافية بين إيرانوالجزائر، ما هي محاور هذا اللقاء وهذا التعاون الثقافي؟ زيارتي هذه تأتي تعقيبا على زيارة معالي وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي إلى إيران، وتلبية لدعوته الكريمة، جئنا لنعمّق ونوسّع في هذه العلاقة. قمنا بثلاث جولات مفاوضات وحوار جميل وعملي مع الوزير الجزائري، محادثين في إيران وأمس الثالثة، توّجت بتوقيع اتفاقية مهمة حول التعاون السينمائي. هناك مشتركات عديدة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية الجزائرية، وهي على ثلاثة محاور سياسية اقتصادية وثقافية، والبلدين لديهما معتقد راسخ في مواجهة الإرهاب والتطرف، والبلدين قاما بثورتين مجيدتين كبيرتين وقدموا الكثير من الشهداء في هذا الطريق. البلدين لديهما القرار السياسي المستقل والسيادة ولم يتأثرا بأي ضغوطات من الخارج ولديهما منابع اقتصادية كبيرة وخاصة في مجال البترول والغاز وهما عضوين في منظمة الأوبك، وشاهدنا تعاونا مميزا بين الجزائروإيران في تسقيف الإنتاج أوصل المنظمة إلى وضع جيد. في الآونة الأخيرة كان موقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مؤثر جدا في خفض إنتاج البترول على مستوى الأوبك، ورفع الأسعار نوعا ما وتعاوننا مع هذا القرار بقوة، ومن هذا المنبر نشكر القيادة الجزائرية على هذه الخطوة المباركة. ومن الناحية السياسية، لدينا أعلى مستويات العلاقات السياسية بين البلدين وعقد اجتماع اللجنة المشتركة مؤخرا في الجزائر بحضور الوزير الأول عبد المالك سلال ونائب الرئيس الإيراني جهنغيري وكانت الاجتماعات مفيدة.. إلى الآن شهدنا زيارات متبادلة جيدة على مستويات مختلفة وعالية بين البلدين وأنتج اتفاقيات مهمة قابلة للتنفيذ. لدينا تعاون وتطابق في الرؤى في القضية الفلسطينية وفي موضوع محاربة الإرهاب والتطرف وموضوع حقوق الإنسان الذي يدعي الغرب أنه يدافع عنها، لكن لدى إيرانوالجزائر رؤية مشتركة في تحقيق حقوق الإنسان بصورة سليمة، ولدينا تعاون في إطار مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي. وإلى أي حد تعزز العلاقات الثقافية ما سبق ذكره؟ باعتقادي إن العلاقات الثقافية يمكن أن تكون هي السكة الصحيحة للعلاقات بين البلدين، بمعنى أنها ممهدة لتطوير العلاقات في كل الأمور بين البلدين، شرحت إمكانياتنا وما تمتلك إيران من قدرات ثقافية وفنية لوزير الثقافة ميهوبي ولإطاراته في الوزارة يوم أول أمس. لدينا في إطار وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، معاونية السينما والسمعي البصري في إيران، معاونية الفنون ومعاونية الإعلام والصحف، ووكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”، منظمة الأوقاف والشؤون الخيرية، منظمة الحج والزيارة، وكذلك مركز تابع لوزارة الثقافة هو لشبكات التواصل الاجتماعي، معاونية شؤون المساجد والقرآن الكريم، ومعاونية الشؤون الثقافية والكتاب، ومعاونية الثقافة والعلاقات الإسلامية التي تشرف على العمل الثقافي في العالم وعشرات المؤسسات التي تهتم بالثقافة والفنون كثيرة في إيران تابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الديني. يوم أمس، اتفقنا حول الموضوع السينمائي، وتوصلنا إلى توقيع اتفاقية بين الطرفين. في إيران اليوم ننتج 200 فيلم سينمائي روائي طويل و500 فيلم قصير، وفي إيران يقام أكبر مهرجان سينمائي في المنطقة، كما أن السينما الإيرانية وصلت إلى الأوسكار. نحن الآن على استعداد كامل للتعاون مع الجزائر في مجال الإنتاج السينمائي والتكوين. وكذلك تهيئة الكوادر وتهيئة البنى التحتية للسينما، وتبادل الأفلام وتطوير التقنيات السينمائية. وطبعا اتفقنا وتحاورنا حول موضوع إنشاء أوبرا مشتركة بين البلدين. وفي مجال المسرح والخط وفي مجال الرسم والمنمنمات والزخرفة وفي مجال النحت والفنون المعاصرة، استطاعت إيران أن تحتل مكانا مميزا في العالم في المرتبة التاسعة في العالم، هذه الإمكانيات موجودة في مراكز الفنون الجميلة وقيمة اللوحات الموجودة في إيران في الفنون الجميلة في حدود 3.5 إلى 4 ملايير دولار. يروّج أن السينما الإيرانية تخضع للرقابة من طرف الدولة وتحدّ من حرية الأفكار؟ نحن في إيران نصون الفكر الديني والوطني لبلادنا، السينما الإيرانية حرة وعلى مستوى عال جدا، المجتمع السينمائي الإيراني هو الذي يلتزم بالأسس الدينية والوطنية للبلاد، نحن لا نرى حاجة للضغط عليهم والحد من نشاطاتهم هم من يحترم المجتمع، لهذا السبب نرى أن السينما الإيرانية عبرت الحدود ووصلت إلى الأوسكار، مما يدل على الوضع الجيد للسينما. لا يمكن السماح للترويج لأفكار ضد نظام العائلة والقيم الإسلامية والدينية للمجتمع مثل الخيانة الزوجية والعنف الاجتماعي، هذه كلها لا بد النظر فيها، بحيث لا يمكن السماح لها بسهولة تناولها، لأنها تخل بالفطرة الإنسانية، نحن نعتقد أن هوليوود ساعدت على تفسخ العائلة والمجتمع بداعي الحرية وأوجدت مئات المشاكل، السينما الإيرانية نظيفة وراقية وتراعي الكثير من القيم الاجتماعية. بالنسبة للآثار، الجزائر تعمل على ترميم العديد منها، هل هناك تعاون في هذا المجال؟ في إيران هناك في حدود مليون أثر تاريخي، وهي معروفة بأرض الآثار، في كل مكان نحفر يظهر أثر تاريخي، الجزائر كذلك لديها تاريخ وثقافة عريقة وقديمة، في إفريقيا الجزائر “درة”، وكذلك لديها النخب والتراث الثقافي والمجتمع حي ونشط، وطبعا هناك إرادة سياسية عالية لتعميق هذه العلاقات مع الجزائر في المجال الاقتصادي والسياسي. فيما يخص الآثار عند عودتي إلى إيران، سأتحدث مع منظمة التراث والسياحة ليأتي إلى هنا، وسيكون هناك تعاون لاحقا إن شاء الله. أطلقتم في بعض تصريحاتكم دعوة لمواجهة التطرف بالثقافة، ما هو دور إيران في هذا المجال ومدى تعاونها مع الجزائر؟ بعد دراسات معمقة، لاحظنا أن كل حركات التطرف والإرهاب في كل المنطقة في أوروبا وإفريقيا نشأتها العلمية واحدة، وتأخذ أفكارها من منبع إيديولوجي وفكري واحد، التحجر والتأخر والرجعية الفكرية، والتزمت ينشأ من منبع فكري واحد، كل حركات الإرهاب في المنطقة والعالم بمسمياتها “القاعدة”، “طالبان”، “بوكو حرام”، “داعش”، “الناصرة” من منبع فكري وإيديولوجي واحد. هل يمكن أن تذكروا لنا ما هو المنبع الفكري؟ سيأتي.. للأسف الشديد هذه المراكز التي تؤهل وتدفع بهؤلاء وتدعمهم فكريا وعقائديا ما زالت نشطة في العالم. هذه المراكز مولّدة لفكر التطرف والإرهاب، وما زالت هذه المدارس والمراكز قائمة، وحتى لو قضي على هؤلاء، ما دامت هذه المراكز قائمة ستنتج مسميات أخرى. ونتيجة هذا التفكّر الذي يخرج منها هو القتل والذبح والدمار والأعمال الوحشية. برأيي وبرأي الكثير من الخبراء، لا بد من مواجهة هذا التطرف وهذا الإرهاب بصورة فكرية وعلمية. في حواري وحديثي مع الوزير عز الدين ميهوبي ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، حول إيجاد آلية لمواجهة هذا المنبع الفكري الذي يغذي هذه الحركات المتطرفة والإرهابية، هناك ثلاثة محاور يمكن وضعها ضمن هذه الآلية، تشكيل ندوات ومؤتمرات فكرية للمفكرين لتبادل أرائهم، الحوار الفكري بين النخب الفكرية المعتدلة والوسطية، وكذلك الإنتاج الفكري من خلال النشر والاستفادة من استخدام وسائل الإعلام، وحتى من الناحية الفنية يمكن إنتاج أفلام مشتركة، ومن خلال السيناريوهات ممكن أن نعطي فكرة في مواجهة هذه التحديات. محاربة التطرف والإرهاب له شكله الأمني والمواجهة العسكرية، والمواجهة الفكرية هي الأساس والأهم، بما أننا مع الجزائر متفقون في الرؤية، نستطيع أن نخطو خطوات كبيرة في مواجهة هذا التطرف بصورة فكرية وعلمية. نحن في إيران في الحقيقة واجهنا هذا الإرهاب الداهم في المنطقة بكل إمكانياتنا، وحربنا جاءت دون مجاملة، لولا دخول إيران في خط المواجهة مع هذا الإرهاب الواسع، لكان وجه المنطقة تغيّر، من هذا المنطلق إيران اليوم هي رافعة علم المواجهة. هناك صورة نمطية في العالم عن إيران معاكسة لما تفضّلتم به، كيف يمكن أن تتعاملوا مع هذه الصورة النمطية بأن إيران راعية الإرهاب، وتواجهون الإرهاب في الوقت نفسه، بل تقدّمونها على أنها حاملة للواء محاربة الإرهاب؟ هناك خطان إعلاميان يحاولان تشويه سمعة إيران وتقليب الرأي العام لصالحه، الخط الأول هو الإعلام الغربي الذي يحاول أن يصوّر للعالم أنه يحارب الإرهاب، لكن لدينا الكثير من الوثائق والشواهد تدل على أن الغرب يدعم الإرهاب بصورة عادية وواسعة، عملية إرهابية بسيطة في دولهم يقلبون العالم ويضج بصورة غير طبيعية، لكن عشرات ومئات الحوادث الإرهابية في المنطقة تحدث ولا يحركون ساكنا وكأن شيئا لم يحدث. والخط الثاني للأسف الشديد هي دول المنطقة وبعض الدول العربية التي هي غارقة في دعم هذا الإرهاب ماليا وسياسيا وحتى عسكريا ولوجيستيا، من خلال دعمهم بالسلاح والمال، وهم الذين يروّجون لهذه الفكرة التي تفضّلتم بطرحها، لكن لا بد لنا أن نعرف ما يثبت الأمر وصحة الموضوع هو الميدان، من هو الذي يحارب ومن هو الذي يدعم، من الذي يحارب عمليا ويقدّم الشهداء، ومن الذي يدعمهم ويتفرّج ولا يحرّك ساكنا في مواجهة الإرهاب، ولا يمكن الشك في هذا الأمر بأن إيران هي في الحقيقة تقود تحركا كبيرا في المنطقة لمواجهة الإرهاب. ما هي استراتيجيتكم لتصحيح هذه الصورة النمطية، خاصة في العالم الإسلامي؟ حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال العقود الأربعة، الاستقرار السياسي والثقافي والاجتماعي وحتى في العلاقات السياسية الخارجية، منذ البداية إلى الآن هناك خط واضح سياسي وفكري، ورؤية واضحة للعمل في الداخل والخارج، منذ البداية لا بد أن نرى من مولّ الإرهاب؟ من سلّحه؟ من أهّله؟ وبالمقابل نرى من الذي واجهه، من الذي منع انتشاره وحد إمكانياته. لا يمكن للإرهاب أن يستمر دون دعم مالي وعسكري، والكثير يعلم أن هناك في المنطقة من يدعم الإرهاب وطبعا في مفاوضاتنا نؤكد أن إيران حامية لاستقرارهم ورفاهيتهم وأمنهم، وبما إننا نعتقد أننا سائرون على طريق الحق، نتوقع أن يفهم الطرف الآخر الحقيقة، ربما ليس الآن، لكن مستقبلا يمكن أن يفهموا ذلك.