يتطرق سفير كوريا الجنوبيةبالجزائر بارك سانغ جين في حوار مع "الخبر" لمختلف جوانب علاقات بلاده مع الجزائر، وبالأخص في مجال التعاون الاقتصادي. يعد تاريخ العلاقات الثنائية بين كوريا والجزائر حديث العهد نسبياً مقارنة بالشركاء التقليديين للجزائر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين جاءت متأخرة، فقد أقيمت فقط عام 1990 بعد انقضاء حقبة الحرب الباردة. ومع ذلك، فمن المعروف أن العلاقات بين البلدين تتسم بقوتها واستمرارية نموها، كيف تقيمون العلاقات الثنائية بين الجزائر وكوريا بالنظر إلى حقيقة أن الجزائر هي الدولة الوحيدة في القارة الإفريقية التي أقامت مع كوريا شراكة استراتيجية؟
لقد تطورت العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية كوريا والجزائر بشكل تدريجي منذ إقامتها عام 1990. وقد شهدت العلاقات الثنائية، على وجه الخصوص، قفزة نوعية إذ تمت ترقيتها إلى "شراكة استراتيجية" وذلك خلال الزيارة الرسمية للرئيس الكوري السابق "روه مو هيون" إلى الجزائر عام 2006، عقب زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى كوريا عام 2003. أعتقد أن البلدين لا يزالان يتمتعان بإمكانيات كبيرة لتطوير تعاونهما المثمر لكلا الطرفين على أساس التفاهم والاحترام المتبادلين. وإنني على أتم اليقين بأن كوريا يمكن أن تساهم في تنويع وتحديث الاقتصاد الجزائري، من خلال تبادل خبرتها ومعرفتها المكتسبة من نموها الاقتصادي السريع. وفي الوقت نفسه، أتوقع أن توفر الجزائر للشركات الكورية الكثير من الفرص والتحديات، وذلك إلى حد كبير بفضل مواردها الطبيعية الهائلة وامتيازاتها الجغرافية كبوابة لأوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، وطيلة مدة مهامي التي استغرقت ثلاث سنوات في الجزائر، فإنني أعجبت حقاً بالاهتمام المتزايد وشغف الشباب الجزائري بالتعرف على كوريا وخاصة ثقافتها ولغتها، وأنا متأكد من أن هذا الجيل الشاب سيلعب دورا محوريا في تعزيز العلاقات الكورية الجزائرية في مختلف المجالات في المستقبل القريب.
ما هو تقييمكم للعلاقات الاقتصادية الحالية بين البلدين، خاصة أن هناك حوالي ثلاثين شركة كورية تنشط هنا؟ وماذا عن واقع وجود الشركات الكورية في الجزائر وآفاق تطوير الاستثمارات الكورية؟
حتى شهر فيفري 2018 تم إحصاء حوالي 26 شركة ونحو 900 رجل أعمال كوري يزاولون نشاطهم في الجزائر، وهي أرقام لا أعتقد أنه يمكن اعتبارها قليلة، حيث تقوم معظم الشركات الكورية بتنفيذ العديد من مشاريع البنى التحتية التي تمولها الحكومة الجزائرية، كما أنها توفر للمستهلكين الجزائريين سيارات وأجهزة إلكترونية مختلفة ذات جودة عالية. بالنسبة للاستثمار الأجنبي المباشر، هناك عدد قليل من الشركات المختلطة مثل شركة هيونكو (مشروع مشترك بين سونلغاز وشركة هيونداي للهندسة والإنشاءات + بوسكودايوو). وتتمتع الجزائر بإمكانيات كبيرة، حيث تنشط حكومتها من خلال اتباع نموذج اقتصادي جديد مثل تنويع الصناعة من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفي هذا الصدد، تفكر الشركات الكورية في المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر في السوق الجزائرية. فعلى سبيل المثال، بدأت شركة "كيا" للسيارات وهيونداي وسامسونغ إلكترونيكس و"أل أجي" إلكترونيكس بالفعل بتشكيل مجمعات عنقودية وإرساء تعاون تكنولوجي مع الشركات المحلية الجزائرية. من أجل ترقية التعاون الاقتصادي، أعتقد أن جهود الجانبين مطلوبة في الوقت نفسه. ويتعين على الشركات الكورية أن تتحلى بجرأة أكبر في تحدياتها لوضع نموذج أعمالها الجديد الذي يستغل إمكانات الجزائر الهائلة، بينما تواصل الحكومة الجزائرية تحسين بيئات العمل الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر.
تعد جمهورية كوريا من الشركاء التجاريين الرئيسيين للجزائر، وعند ملاحظة الميزان التجاري بين البلدين، يظهر جليا أن الجزائر سجلت عجزا تجاريا مع كوريا. هل هناك طريقة لموازنة هذا العجز؟
إن حجم التجارة بين كوريا والجزائر يزداد تدريجيا منذ عام 1992، حيث وصل إلى مستوى قياسي يقدر ب3.3 مليار دولار (بلغ الفائض التجاري الجزائري 531 مليون دولار) عام 2014. ومع ذلك، وبسبب الركود الاقتصادي العالمي الناتج عن انخفاض أسعار النفط منذ 2014 انخفض حجم التجارة بين بلدينا بشكل كبير خلال العامين التاليين. لحسن الحظ، فقد عرف انتعاشا من خلال تسجيله مبلغا قياسيا عام 2017 يقدر ب1.9 مليار دولار. وارتفعت صادرات الجزائر، على وجه الخصوص، إلى كوريا بنسبة 256٪ مقارنة بالعام السابق، في حين ارتفعت وارداتها من المنتجات الكورية بنسبة 16٪، وهي حقا دلالة جيدة للعلاقات الثنائية المستقبلية. أعتقد أن كوريا والجزائر لديهما إمكانات كبيرة لتدعيم، مستقبلا، طرق التبادل البيني بالاعتماد على المزايا التفضيلية. وفي هذا الصدد، أنا متأكد من أن كوريا والجزائر عليهما بذل المزيد من الجهود لتسهيل وتوسيع التجارة عن طريق إزالة العوائق التجارية وتطوير سوق جديدة فعليا. من المعتقد على نطاق واسع أن الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل كبير على تصدير موارد النفط والغاز واستيراد معظم السلع من الخارج. أنا شخصيا أرى أن أفضل طريقة لتقليص العجز التجاري مع الدول الأجنبية بما فيها كوريا هي تنويع الصناعة وزيادة الإنتاج المحلي من خلال الخوصصة والاستثمار الأجنبي المباشر.
هل يمكن أن تشرحوا لنا المشاريع الجارية التي تقيمها الشركات الكورية في الجزائر؟ وما هي أكثر المجالات الواعدة والمثيرة للاهتمام بالنسبة للشركات الكورية في المستقبل من حيث تكثيف التعاون؟
تقوم الشركات الكورية حاليا بتنفيذ 34 مشروعا هاما في الجزائر مثل محطات توليد الطاقة ذات الدورة المركبة في كل من خنشلة، نعامة، مستغانم، جيجل وبسكرة، بالإضافة إلى مشاريع تطوير المدن الجديدة الممولة من طرف الحكومة في كل من سيدي عبد الله وبوغزول وبوينان. إلى جانب مشاريع البناء هذه، أن واثق من أنه بإمكان كوريا أن تكون أفضل شريك لتنفيذ سياسة الحكومة الجزائرية الهادفة لتنويع صناعاتها، من خلال تشجيع الزراعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويمكن أن تساعد المعارف والتقنيات والخبرات الكورية المكتسبة خلال عملية التصنيع والتحديث الاقتصاديين على تعزيز إمكانات الجزائر الهائلة في مجالات الأعمال الجديدة هذه. من المتوقع أن يتم توسيع نطاق هذه الخبرات والتقنيات العالية لتشمل مجالات واعدة جديدة مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبيئة والطاقة المتجددة والزراعة. وفي هذا الصدد، أود أن أثير انتباه القراء إلى المشروعين الجديدين، إذ أن كوريا مستعدة من خلال قدرتها التنافسية العالمية وقوتها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على دعم مشاريع الحكومة الجزائرية لإنشاء "الحكومة الإلكترونية" مثل "الجمارك الإلكترونية" و"منظومة الشراء العمومي على الخط". أما بالنسبة لقطاع البيئة، فإن وزارة البيئة الكورية قدمت تمويلا لإنشاء المخطط الرئيسي لمحطة حرق النفايات في البليدة وبرج بوعريريج، كما أنها تجري دراسة جدوى لإنشاء نظام متكامل لمعالجة النفايات في الجزائر (حاميسي).
جدير بالذكر أن الخبرة الفنية الكورية مؤكدة والحاجة إلى تنويع الاقتصاد الجزائري واضحة، فهل ترغب كوريا في تقاسم خبراتها وتجاربها للمساهمة في تنويع وتحديث الصناعات الجزائرية في منظور ما بعد النفط؟
حققت جمهورية كوريا نموا اقتصاديا سريعا وديمقراطية ليبرالية خلال نصف قرن تقريبا في ظل ظروف معيشية سيئة للغاية في منطقة صغيرة ذات كثافة سكانية عالية وموارد طبيعية ضئيلة. وعلى ضوء هذه الخلفية، تمكنت كوريا من اكتساب الكثير من الخبرات والمعارف في قطاعات مختلفة مثل التصنيع والتكنولوجيا الحديثة والزراعة وتربية المائيات خلال فترة التنمية الاقتصادية في وقت زمني قصير. باعتبارها أول دولة انتقلت من حالة المتلقي للمعونة إلى حالة المانح للمعونة بين البلدان متخلفة النمو، فإن كوريا مستعدة لتقاسم خبرتها ومعرفتها مع الدول الشريكة مثل الجزائر. وفي هذا السياق، أجرت كوريا العديد من المشاورات حول السياسات والخطط الرئيسية كجزء من برنامج تبادل المعرفة (KSP) مع الجزائر وذلك سنويا تقريباً منذ عام 2006، وقد بلغ إجمالي عددها أكثر من 1400. كما أنني متأكد تماما من أن هذا النوع من التعاون بين الحكومتين وكذلك مشاركة الشركات الخاصة الكورية سوف يكونان بمثابة فرصة أخرى لمواصلة رفع تعاوننا المتبادل إلى مستوى جديد.
سيكون تاريخ 27 أفريل موعدًا تاريخيًا وسيشكل حدثًا نادرًا في العلاقات بين الكوريتين، فماذا تتوقع سيول من هذه القمة وما هي المواضيع التي ستتم مناقشتها بين رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، مع العلم أن مسألة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية لن تطرح خلال هذا القمة وفقا لبيان صدر مؤخرا عن وزير خارجية كوريا الجنوبية؟
ستعقد القمة القادمة بين الكوريتين في بانمونجوم (خط تعيين الحدود العسكرية) الذي يفصل الكوريتين إلى جنوب وشمال، وهي الثالثة من نوعها في تاريخ تقسيم كوريا على مدى 72 عامًا. وقد عُقدت القمتان السابقتان عامي 2000 و2007 على التوالي، لكن تبقى هذه القمة أكثر أهمية، حيث إنها تحققت بفضل الجهود الدبلوماسية المستمرة للتوصل إلى حل سلمي، من خلال فتح باب الحوار في خضم التوتر الشديد الذي تعيشه شبه الجزيرة الكورية والذي تصاعد بسبب التقدم الذي تشهده كوريا الشمالية في برامج أسلحة الدمار الشامل. وبالنظر إلى مثل هذه الحالة، قد يكون هناك الكثير من التوقعات لمثل هذه القمة التاريخية، بما أن هناك مقولة "لا يمكن أبداً أن تشبع من اللقمة الأولى"، فهذا هو الاجتماع الأول لنزع السلاح النووي في كوريا الشمالية. وفي هذا السياق، تدرس حكومة كوريا الجنوبية إيلاء أولوية قصوى للمسائل الأساسية مثل نزع السلاح النووي وإقامة نظام سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية لإعلان نهاية الهدنة المتفق عليها عام 1953. وفي هذا الصدد، أعتقد أن قضايا حقوق الإنسان في الشمال من غير المرجح أن تناقش خلال قمة أفريل.
هل يمكننا التوقع أن تكون هذه القمة نقطة انطلاق لمزيد من العلاقات السلمية بين الدولتين المتجاورتين؟
مما لا شك فيه أن هذه القمة تعتبر تحولا باتجاه السلم والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، كما نعتقد حقاً أن هذا اللقاء الناجح بين الكوريتين سيكون حلقة مثمرة بالنسبة للقمة المرتقبة بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكوريا الشمالية، التي ستتبعها الجولة القادمة من الاجتماع الثنائي أو متعدد الأطراف. ومع ذلك، فإن تطبيع العلاقات بين الكوريتين ليس مجرد مسألة تخص الكوريتين لأن تقسيم كوريا نفسها ناتج عن الحرب الباردة من قبل القوى الكبرى الأربع المحيطة بها مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وروسيا واليابان. وعليه، فإن السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية يتعذر أن يكون ممكنا دون اتفاق وتعاون كاملين من جانبها. ومع ذلك، تأخذ الكوريتان، كونهما الطرفين المعنيين مباشرة، زمام المبادرة في إرساء نظام سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية، قائم على الثقة والاحترام المتبادلين كي يضعا حدا لإرث عفا عنه الزمن من الحرب الباردة. وإنني على يقين بأن كوريا الموحدة الخالية من السلاح النووي لن تساهم في السلام والازدهار في المنطقة الشمالية الشرقية فحسب، بل أيضا في العالم بأسره.