أقيل الجنرال عبد الغني هامل من على رأس المديرية العامة للأمن الوطني قبل عشرة أيام من احتفاله بمرور ثماني سنوات على تنصيبه خلفا للراحل المغتال علي تونسي. ووسم مسار هامل، شخصيا، في جهاز الشرطة الذي التحق به يوم 10 جويلية 2010 بحدثين بارزين هما: تصريحاته المثيرة حول مجرى التحقيقات والفساد في قضية الكوكايين وخروج أعوان الشرطة في احتجاجات مدوية خريف 2014. فجأة، سقط عبد الغني هامل من مخيال أمني لازم إطارات المديرية العامة للأمن الوطني، كما بسطاء الأعوان، لقرابة ثماني سنوات، على أنه الرجل "الرئاسي" القوي الذي لا تطيح به أعنف الهزات طالما نجا من الهزة الأكثر شراسة وجرأة لما خرج الآلاف من أعوان الشرطة خريف 2014 في احتجاجات عارمة بالعاصمة، تواترت عن الأزمة في غرداية، في حدث لافت، ترفع فيه لأول مرة لافتة المطالب الأمنية الاجتماعية في الشارع، رافقته قراءات بنهاية هامل من على رأس جهاز الشرطة. لكن الرجل بدا لاحقا أكثر صلابة مما كان، بدعم من الحكومة والرئاسة، وأكثر من ذلك صار اسمه متداولا في الصالونات والدوائر الضيقة على أنه واحد من الأسماء المطروحة لخلافة الرئيس بوتفليقة، ما بعث في الرجل طموحا رئاسيا حقيقيا، تصرف بمقتضاه فترة معلومة. ومهما يكن، تساؤلات كثيرة تطرح بشأن تصريحات شبيهة بمواقف عبر عنها هامل، خاصة ما تعلق بقوله إن "من يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفا" و"تجاوزات ارتكبت في التحقيق الابتدائي" في قضية كوكايين تحولت إلى قضية دولة. هل خرق هامل واجب التحفظ؟ وهل من حقه قانونا الإدلاء بمواقف إزاء تحقيقات جارية فوق مكاتب قضاة التحقيق ووكلاء الجمهورية، في وقت مازالت رؤوس مشتبه فيها خارج دائرة التحقيق، تنتظر دورها؟ في هذا التفصيل يقول محامون إنه لا يجوز لأي كان التعليق على مجرى تحقيقات إزاء قضية لم يفصل فيها بعد، سوى هيئة الدفاع ذات الصلة بالقضية أو بمتهم من المتهمين فيها. وفي هذه الحالة يطرح التساؤل الأهم: إذا كان المدير العام للأمن الوطني، سابقا، قد خرق واجب التحفظ، هل تتواتر عن فعله ملاحقة قضائية؟ ثم والأكثر من ذلك، هل تتحرك النيابة العامة بخصوص التصريحات التي أدلى بها حيال "خروق وتجاوزات في التحقيقات"؟ وهل تعتبر هذه التصريحات المتأتية من مسؤول سام بالدولة له من الثقل ما يؤثر تدخلا مباشرا في التحقيقات؟ ثم ما مصير الملفات التي تحدث عنها هامل وقال إنها بحوزة المديرية العامة للأمن الوطني وسيقدمها للعدالة التي وضع فيها كل ثقته فيما يتعلق بمآلات قضية الكوكايين؟ سقوط هامل من الطابق الرابع للمديرية العامة للأمن الوطني، قبالة الشريط البحري الممتد إلى الأميرالية، كان الأسرع في تاريخ الإقالات المرتبطة بقضايا دولة في الجزائر، من تلك التي تواترت عنها معارك كسر عظام. حتى وإن خمن هؤلاء الذين انغمسوا في فيديو التصريحات المثيرة التي ساقها هامل بشأن التحقيقات الجارية حيال قضية الكوكايين، أول أمس، وتوصلوا إلى ما يفيد في نظرهم بأن قرار الإقالة سبق تلك التصريحات، أو بتعبير آخر قد تكون خرجة هامل رد فعل على قرار إقالة يكون وصل مسامعه لما كان فوق سرير التبرع بالدم، لم يكن مريحا مثلما لم يكن ابن صبرا بتلمسان مرتاحا وهو يدلي بتصريحات أمام الكاميرا. ولم يعرف عن مدير لجهاز الشرطة بالجزائر أن كان طموحا، سياسيا، بشكل يدرج اسمه ضمن المرشحين لتولي الرئاسة مثل ما تردد عن هامل بالدوائر السياسية والإعلامية، رغم أنه لم يعبر بنفسه عن هذا الطموح الذي تعزز في اجتهادات المهتمين بالموضوع، بخرجات الجنرال داخليا وخارجيا، حيث عرف جهاز الشرطة في عهد هامل حركية لافتة على صعيد التعاون الدولي سواء مع الشرطة الدولية "أنتربول" أو مع الهيئات الشرطية للدول، سواء أكان تعاونا ثنائيا أو متعدد الأطراف، ويقدم هامل كفاعل مهم في تأسيس آلية التعاون الشرطي الإفريقي "أفريبول" التي يرأسها الرجل وتتخذ من الجزائر العاصمة مقرا لها، فيما يكون منصبه على رأس "أفريبول" قد أصبح لاغيا بصفة تلقائية بعد إزاحته من على رأس المديرية العامة للأمن.