فجرت رسالة عبد العزيز بوتفليقة التي تلاها مدير حملته عقب إيداعه رسميا ملف ترشحه لدى المجلس الدستوري، احتجاجات عارمة تجسدت في مسيرات ليلية اجتاحت العديد من الولايات، عبر من خلالها مئات الشباب عن رفضهم للعهدة الخامسة، ما تسبب في مخاوف من تسجيل انزلاقات غير محمودة العواقب، جابهها العديد من رواد “الفايسبوك” بنداءات للتعقل وتغليب الحكمة، للحفاظ على سلمية الحراك الشعبي. الصورة المثالية التي دّرها الجزائريون للعالم منذ انطلاق الغضب الشعبي الرافض لولاية جديدة للرئيس المترشح، تنم عن وعي عام لدى المتظاهرين يقاوم من أجل تجنب السقوط في فخ التكسير والحرق، ومواصلة الاحتجاج بسلمية وتحضر، رغم الأعداد الهائلة التي خرجت إلى الشوارع منذ مسيرة 22 فيفري الماضي من جهة، والاستفزازات التي تحاول من خلالها بعض الأطراف جر المتظاهرين إلى دائرة العنف لاعتبارات متعددة من جهة أخرى، والفضل في ذلك يعود إلى استغلال “الفايسبوك” من قبل العديد من رواده للإرشاد الدوري للمتظاهرين المشكلين في أغلبيتهم من فئة الشباب، وتوجيه نداءات التعقل والالتزام بالهدوء إلى حين تحقيق المطالب التي تحملها هذه الجماهير العريضة. وقد تجسدت هذه الظاهرة بشكل جلي في أعقاب بالون الاختبار الذي ألقته السلطة أول أمس لامتصاص غضب المحتجين، من خلال إعلان الرئيس في رسالته الأخيرة عن مجموعة من الإصلاحات، وتنظيم انتخابات مسبقة تضمن تسليمه سدة الحكم بشكل سلس وفي كنف الهدوء والطمأنينة، حيث تم إطلاق العديد من صفارات الإنذار عبر “الفايسبوك”، لتحسيس الشباب الذين خرجوا بالمئات للتظاهر في الليل عبر مختلف ولايات الوطن، بضرورة الحرص على سلامة الممتلكات العمومية والخاصة، والتورع عن الاحتكاك مع مصالح الأمن، وتجنب كل أشكال العنف التي ستشوه الصورة الجميلة لحالة الاحتقان الجماعي للجزائريين من الوضع السياسي الراهن للبلاد. وقد شارك في هذه التوعية الفايسبوكية، لتأطير المتظاهرين وحملهم على التقيد بالسلمية، نماذج من مختلف شرائح المجتمع، من بينهم عميد الحقوقيين ورئيس أول رابطة حقوقية في الجزائر المحامي علي يحيى عبد النور، الذي أعلن من خلال فيديو تداولته الوسائط الاجتماعية، تضامنه التام مع الجزائريين رغم مرضه وتقدم سنه، راجيا من المحتجين التمسك بالسلمية لتفويت الفرصة على المتربصين بالحراك الدائر منذ إعلان مشروع الخامسة، فضلا عن مجموعة من الفنانين أبرزهم مغني الراب لطفي دوبل كانون، وأمازيغ كاتب نجل الأديب والمعارض كاتب ياسين اللذين دعيا وغيرهما إلى أخذ الحيطة والحذر أثناء التعبير عن رفض السيناريوهات التي تحبك من أجل تمرير عهدة جديدة رغم مرض الرئيس وغيابه، بالإضافة إلى العديد من زعماء الأحزاب، والناشطين السياسيين، والصحفيين، والمواطنين الذين يناضلون عبر الفضاء الأزرق لتأمين الغضب الشعبي من أي انزلاق أو تحريف، إلى درجة أن البعض منهم نزلوا إلى الشوارع لإقناع بعض الشباب بالعدول عن الاحتجاج في جنح الليل. واللافت في هذه الاحتجاجات “السابقة” التي تعيشها البلاد منذ أيام، الصدى الكبير الذي أصبحت تلعبه نداءات التوعية التي يتم تداولها عبر “الفايسبوك” والفضاء الأزرق بشكل عام، خاصة وأن الرهان يتعلق بالحفاظ على أمن واستقرار بلد برمته، حيث أنتجت هذه التوعية مشاهد لم تكن مألوفة من قبل، غيرت الصورة الخاطئة التي يحملها الخارج عن الجزائريين، بعد أن فاجأوا الجميع بتنظيم مسيرات شارك فيها الملايين دون أي احتكاكات أو صدامات، بل على العكس من ذلك، إذ خرجت عائلات بأكملها للتظاهر في مسيرات تم توزيع الورود فيها على رجال الأمن وتأمينهم من قبل أحزمة بشرية قام بها المتظاهرون أنفسهم، ناهيك عن تنظيف الشوارع بعد انتهائها.